نفط دعبول

TT

طالما سمعنا أن العراق بلد يسبح على بحيرة من النفط. يمكنني حقا تصديق ذلك. فالعراق دائما في حريق مستعر. صيفه نار وشتاؤه أوحال وشعبه في اقتتال. والسبب هو ما يسبح فيه من نفط. ولكنني لم أتصور قط أن يبلغ تدفق النفط فيه أن يتحول بول الناس العراقيين الى بترول. هذا على الأقل ما سمعته من بعض القادمين من بغداد. ولعن الله الكاذب. قالوا ان السيدة أم دعبول لاحظت ان صبيها البالغ من العمر عشر سنوات قد بدأ يريق نفطا في بوله. أخذت عينة منه ووضعتها في المدفأة علاء الدين. أوقدت الفتيلة فإذا بها تشتعل بأحسن ما يمكن من لهيب ازرق. اسرعت فملأت كل معدات المطبخ منه واستغنت عن شراء الغاز. وكلما نضب الوقود جاءت بابنها ليبول في المحرقة. وكانت امرأة طيبة ما أن حل شهر رمضان وعيد الفطر حتى راحت تتصدق بنفط ابنهاعلى الجيران والمحتاجين، وما أكثرهم في العراق الآن. «ابني دعبول، عمتك أم حسين، خلص نفطها، روح بول لها بولتين ثلاثة».

وبالطبع، وكما نتوقع في عالمنا العربي، ما ان قامت أم دعبول بهذه الصدقات لوجوه الخير، حتى بادر القوم للوشاية بها الى السلطات والإدارة الأمريكية. هنا امرأة جالسة على بئر نفط ولا تخبر بها المسؤولين. تحققت شركات النفط الأمريكية من الأمر فوجدت ان مثانة هذا الصبي تحتوي على معين من البترول الخفيف العالي النوعية يشكل اكبر احتياط نفطي في العالم. اعتقلوه فورا وجاءوا به الى المنطقة الخضراء وكلفوا كتيبة من الجند المارين بحراسة عضوه ونصبوا عدادا دقيقا على بلبولته.

اندلعت مشكلة العوائد. جاء الأكراد بشجرة نسب تثبت ان جد ذلك الصبي كان كرديا من أهل قلعة دزة ورحل الى بعقوبة هربا من الجندية. فطالبوا بضمه الى حقول نفط كردستان. بيد ان اعمامه من عشيرة شمر ادعوا بحقوق العمومة والوصاية على الولد بينما تقدم خاله أبو عبد المجيد، البقال في حارة باب الشيخ وتقدم بمضبطة تحمل خمسين توقيعا بالقسم بأن جد خالته محفوظة قد بال في العشرينات بولا اسود حار في أمره الأطباء. لا شك انه كان نوعا من البترول الخام ولكن العراقيين لم يسمعوا في ذلك الزمن بمشتقات الكاربون. وعليه ـ قالوا ـ فإن بول دعبول يعود لخؤولته وينبغي تسليم عوائده البولية اليهم. وفيما جرت هذه المنازعات طالبت المرجعية بحصة الخمس حسب الشرع.

وبالطبع وقعت كل بنات بغداد في حب الصبي الذي لم يتجاوز العاشرة بعد. بل ادعت اثنتان منهن بأنهن قد حملن منه. وجاءت الأخريات برسائل وقصائد غزلية تبودلت معه.

بيد ان الطفل البريء بدأ يتضايق من عيش العبودية في المنطقة الخضراء والسيطرة الأمريكية على عضوه ومثانته، فانتهز فرصة مؤاتية وبال على سيجارة جندي امريكي فشبت النار في القاعة وظل دعبول يزخ فيها من بوله حتى التهمت النيران عموم المنطقة الخضراء فخرج منها حرا طليقا وهو يغني:

بول بيها وتحترق خليها

وهذا عمك بوش قاعد فيها

www.kishtainiat.blogspot.com