مسؤولية الدولة العظمى

TT

تسوية اللحظة الاخيرة انقذت مؤتمر بون من الانهيار وجعلت الحكومات وأنصار البيئة يتنفسون الصعداء. لكن مشاعر الفرح التي رافقت انتهاء المؤتمر، الذي ناقش قضايا البيئة والمناخ والتلوث والاخطار المحدقة بالعالم جراء تراكم التلوث البيئي واتساع ثقب الأوزون، بقيت ناقصة. فالتنازلات التي جرى تقديمها لانقاذ المؤتمر اضعفت الاتفاق وضحت ببعض بنوده المهمة.

وكانت اليابان قد اعترضت بشدة خلال مفاوضات مؤتمر بون على مسألة فرض عقوبات وغرامات على الدول التي لا تخفض الغازات المسببة للتلوث البيئي ولا تلتزم بنسب خفض الاحتباسات الحرارية. ولانقاذ الاتفاق قدم المؤتمرون تنازلاً كبيرا لليابان اضعف الاتفاق وجعله يبدو بلا أسنان، لأن العقوبات والغرامات على الدول المخالفة هي الوسيلة الوحيدة لضمان الالزام والالتزام لكل الاطراف بخفض الملوثات البيئية، خصوصاً في وقت يدق فيه العلماء نواقيس الخطر محذرين من ان التغيرات المناخية الناجمة عن آثار التلوث البيئي باتت تهدد بكوارث كبرى على مستوى العالم صحياً وغذائياً واقتصادياً.

يضاف الى ذلك ان اميركا التي رفضت بروتوكول كيوتو الموقع عام 1997، رغم انها وحدها مسؤولة عن ربع التلوث الكوني، بقيت خارج اطار الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين المؤتمرين في بون، وهو امر اضعف الاتفاق الى حد بدأ معه البعض يقول ان التوافق الذي حدث سيكون بلا قيمة لأن اميركا لم تنضم الى التزاماته.

والواقع ان قرار ادارة بوش بالانسحاب من اتفاق كيوتو كان صدمة كبيرة وضربة موجهة لجهود انقاذ العالم من «الانتحار المناخي». ذلك ان ادارة بوش نقضت ما تفاوضت ووافقت عليه ادارة كلينتون السابقة، وقدمت بذلك نموذجاً سيئاً للدول الاخرى في التخلي عن المسؤولية الجماعية. فأميركا التي باتت القوة العظمى الوحيدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي تواجه الآن خطر «غرور القوة» من واقع انها تتصرف من دون ادنى اعتبار لمسؤولياتها في الاطار الجماعي الدولي ومن دون مراعاة للآخرين. وربما لهذا السبب بدأت اوروبا تتكتل لحماية مصالحها ضد حليفتها الرئيسية، كما باتت الصين تتحرك في مواجهة واشنطن مثلما حدث في قضية طائرة التجسس التي هبطت في الاراضي الصينية بعد «الاحتكاك الجوي» مع احدى طائرات بكين. كذلك فان روسيا تسعى لاحياء حلفها القديم مع الصين للحد من الهيمنة الاميركية.

ان ادارة بوش، التي تتصرف احيانا بفكر انعزالي عن بقية العالم، تدرس حالياً الإقدام على خطوة اخرى من شأنها ان تؤدي الى تداعيات كبرى، وهي الخطوة المتمثلة في احتمال الغائها من جانب واحد اتفاقية الحد من الصواريخ مع روسيا. فقد حذر الرئيس الاميركي من انه مستعد للانسحاب من هذه الاتفاقية اذا لم توافق روسيا على ادخال تعديلات اساسية فيها تسمح للولايات المتحدة باطلاق برنامج «الدرع الصاروخي» وباجراء التجارب على هذا البرنامج خلال السنوات القليلة المقبلة.

واذا نفذت ادارة بوش تهديدها وانسحبت من اتفاقية الحد من الصواريخ الباليستية، فانها تكون بذلك قد تخلت تماماً عن مسؤوليات القوة العظمى، وقدمت للعالم نموذجاً آخر في عدم الالتزام بالاتفاقيات الثنائية او الدولية، مما يفتح الباب امام الآخرين للتنصل من المواثيق والاتفاقات الدولية.. وهذا بلا شك طريق سيؤدي عاجلاً ام آجلاً الى اعادة اشعال الحروب الباردة والساخنة.