من هو جون ماكين؟

TT

غلب على مناظرة جون ماكين وبراك أوباما مناقشة الشأن الداخلي، إذ طغت عليها الأسئلة الاقتصادية، الأمر الذي أوضح أن جهود جون ماكين في إدارة دفة النقاش إلى الحروب الثقافية لفترة الستينات لن تنجح. والناخبون الأميركيون يريدون من المرشحين الحديث عن المشكلات وكيفية توفير الحلول لها، خاصة تلك الكبيرة منها كالتي تواجه الولايات المتحدة الآن.

ومن ثم، عندما حاول ماكين مهاجمة أوباما ـ من خلال الحديث عن رفاقه وأصدقائه في فاني ماي وفريدي ماك وعن خططه الضريبية وعن خطط الرعاية الصحية ـ لم يتمكن من تحويل المناظرة إلى اتهامات شخصية وغير واضحة ضد خصمه الديمقراطي بأن حملته الانتخابية تتخبط.

منذ أيام قلائل، صرح غريغ ستريمبل أحد نواب ماكين لـ«واشنطن بوست» بأن الجانب الجمهوري «يتطلع إلى طي صفحة تلك الأزمة الاقتصادية» لكن المناظرة واستمرار انهيار الأسواق يظهر أن ذلك لن يحدث. السبب وراء رغبة ستريمبل واضحة، فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد الأميركي غيرت الساحة الانتخابية لصالح أوباما، فولاية أوهايو التي زرتها عشية المناظرة كانت فرص ماكين فيها معدومة، على الرغم من أنها ولاية يجب عليه الفوز بها، حيث يحتل أوباما الصدارة في كل استطلاعات الرأي التي أجريت على مستوى الولاية.

ويستشعر الديمقراطيون أن السباق الذي كانوا يخشون من خسارته قد تحول الآن لصالح أوباما، لأن الاقتصاد ـ كما يقول تيم رايان الديمقراطي الذي تتضمن مقاطعته ينغستون ـ يحتل مكان «الواجهة والمركز». وأضاف رايان: «إن الناس ينصتون بصورة أكبر، وهم أكثر ودا تجاه أوباما ونائبيه في الولايات المختلفة، ويقولون إنهم لا يرغبون في استمرار خلف لبوش لأربع سنوات أخرى». الدرس الذي خرج به ماكين من المناظرة هو أن عليه أن يجعل الناخبين يسمعونه، ويجب عليه أن يجد سبيلا للعودة إلى لب النقاش وأن يثبت ما يقدمه بكلماته، لكن الأرجح أنه سيترك ذلك لسارة بالين المرشحة كنائبة للرئيس ومستشاريه ونائبيه لكي يخوضوا في أوحال تلك الأزمة.

ويبدو أن بالين متعطشة هي الأخرى للتهويل من علاقات أوباما بـ بيل آيرس أحد أعضاء فرقة وذر أندرغراوند في فترة الحرب الفيتنامية ـ مجموعة اتهمت بإشعال النيران في مبان في منهاتن ـ والذي أصبح ناشطا اجتماعيا في الحي الذي يقطن فيه أوباما في شيكاغو. وفي مناظرة السبت، تركت كل القضايا بصورة مهينة لكي يتهم أوباما بأنه «يدعم الإرهابيين».

واصل ماكين إبراز الماضي المحافظ مع إشارته المتكررة إلى رونالد ريغان، لكن الماضي المحافظ الذي يتحدث عنه ماكين يقبع الآن في قفص الاتهام، وهو ماض يرغب أوباما في تغييره دون شك.

كان من الواضح أن هناك تغيرا في منتصف المناظرة، فعندما سئل ماكين عما إذا كان على الأميركيين غير العسكريين أن يطلب منهم التضحية من أجل بلادهم، كان رده مثيرا للدهشة فقد تحدث عن إمكانية خفض أو تجميد الإنفاق على البرامج الحكومية، وهو أمر غير معهود من رجل اتسم تاريخه العسكري بسنوات من معاقبة التضحيات الوطنية. وعلى النقيض، تمسك أوباما بالمثالية، فانتقد دعوة بوش للأميركيين بالتسوق بعد هجمات 11/9.

منذ أيام قلائل، كان ماكين يبذل أقصى ما يستطيع لكي يصور أوباما كشخصية غامضة وغريبة فتساءل: «من هو باراك أوباما؟».

لقد أثارت المناظرة العديد من التساؤلات: من هو جون ماكين؟ هل هو الرجل الذي اعتاد أن يصور نفسه كمن يوجد الحلول للمشكلات، أم أنه المرشح اليائس الذي ينتقل من هجوم إلى هجوم؟

الصورة الأولى هي التي ظهرت جلية حينما أصر على أن «الموقف الحالي اليوم يتطلب الدعم الصادق لحزبه» لكن أهذا هو ماكين الذي سيحكم البلاد؟ هل هذا هو ماكين الذي يقدم تفويضا بنشر إعلانات مهاجمة منافسه؟ هل هذا هو ماكين الذي سنراه اليوم وغدا وبعد غد؟

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ «الشرق الأوسط»