إيران: لا للحرب ولا للعزلة ومع دور إقليمي فاعل

TT

ظلت إيران طوال الوقت تنفي أنها تتدخل أو تسلح منظمات مقاتلة في دول أخرى، وكانت دائماً، في مواجهة أي اتهام لها بذلك، تطالب بالبراهين. وفي الاسبوع الماضي اعلن قيادي في الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين حمداني أن بلاده تسلح «جيوش التحرير» في الشرق الاوسط: «ان قواتنا تتمتع باكتفاء ذاتي كما ان جيوش التحرير في المنطقة تحصل على جزء من تسليحها من عندنا»! وعندما يتكلم الحرس الثوري في ايران فان ذلك يعني ان طرفاً اساسياً في القيادة الايرانية تكلم. وعلى الحرس الثوري والاستخبارات الايرانية سيعتمد احد المرشحين لمنصب الرئاسة الايرانية، كي يفوز. فالجهازان يتلقيان الاشارة من المرشد الاعلى للثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي. لكن ماذا اذا دعم المرشد الاعلى مرشحاً معتدلاً؟

السائد في ايران اليوم، ان كل من يتبوأ مركزاً مهماً يكون من الحرس الثوري. انه «جامعة النظام التي تُخّرج من يتقن حماية ذلك النظام، ولذلك تبقى حظوظ المرشحين محمد علي نجفي ومحمد رضا عارف محدودة. فالاثنان لا خلفية أمنية لهما، ولا تاريخ لهما في الحرس الثوري، وهما قد يدعمان المرشح محمد باقر قليباخ (رئيس بلدية طهران) وليس الرئيس الحالي محمود احمدي نجاد.

لكن، هل في إيران معتدلون؟

يقول لي البروفيسور الايراني حسين عسكري من جامعة جورج واشنطن، وليس كما اشرت في مقالي السابق جامعة جورج تاون: «ان فكرة خاطئة سائدة في الغرب والعالم العربي عن ايران، فهم يعتقدون بأن الإيرانيين ايديولوجيون ومتشددون، بسبب ما يرونه على السطح، فالايديولوجي في ايران هو كذلك كردة فعل».

ويعطي مثلاً على ذلك الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني ويعتبره رجلاً عملياً والأقوى والأهم بعد خامنئي «وليس صحيحاً انهما غير متفقين، على العكس انهما جد مقربين من بعضهما البعض وينسقان في ما يفعلان (...) ان المحافظين في ايران هم كذلك لانهم حُشروا في الزاوية». ان رفسنجاني وبسبب شعبيته المستقلة عن دعم خامنئي، قادر على ان يكون براغماتياً. ويُنظر اليه في ايران على انه يستطيع ان يحمي المصالح الاقتصادية، لكنه ليس مرشحاً، كما ان الرئيس السابق محمد خاتمي لن يترشح، بل سيدعم ورفسنجاني ترشيح قليباخ.

وكان خبر هذا الاسبوع تضمن تعرض الرئيس الحالي احمدي نجاد لعارض صحي بسبب الارهاق، وليس ذلك بمستغرب، فكما ان الازمة المالية في اميركا ستعيق انتخاب جون ماكين المرشح الجمهوري، فان تدهور اسعار النفط صار عبئاً قد يعيق اعادة انتخاب احمدي نجاد. ويشرح البروفيسور عسكري الامر: «إذا انتخب ماكين في اميركا فان الرئيس الايراني المقبل سيكون احمدي نجاد، وستكون هناك مواجهات اكثر، وهذه اذا ارتفعت حدتها فان على دول الخليج ان تقرر ما اذا كانت ستواجه ايران».

ويضيف عسكري: «لقد دعم الغرب الحرب العراقية ـ الإيرانية التي مولتها دول الخليج. ايران تجاوزت هذه المرحلة ولا تأتي على تمويل الخليج لتلك الحرب، لكن اذا اتجهنا الى مواجهة جديدة فستكون هناك حرب اقليمية جديدة، ستحدث كارثة». ينطلق عسكري في تحذيره هذا من عِبر التاريخ، لأن الدول عندما تواجه مشاكل داخلية تتحول الى الحروب وتشعل صراعات عالمية. يقول: «لو كانت لدي مشاكل مع احد فإنني اجلس معه. ايران لن تقبل بشروط مسبقة ولا يمكن للغرب ان يطلب التفاوض معها ويطلب منها في الوقت نفسه، ان تعتمر قبعة وتضع قفازات. الحوار يعني الحوار والإصغاء».

اما إذا انتخب المرشح الديموقراطي باراك أوباما فان الرئيس الإيراني المقبل لن يكون حاملاً رزمة من الاستفزاز، بل يمكن بيعه للأميركيين كشخص منطقي معقول، لكنه سيكون من المحافظين انما أكثر اعتدالاً من احمدي نجاد. قليباخ الابرز ويليه محمد نهاونديان رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم.

ونهاونديان مقرب جداً من علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، وهو اختلف مع احمدي نجاد مباشرة بعدما استقال لاريجاني من منصب مستشار الامن القومي في تشرين الاول (اكتوبر) 2007، واذا ثبت ترشيحه سيحصل على دعم لاريجاني بالتأكيد.

وهذا الأسبوع أعلن لاريجاني انه غير مرشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وكان هذا الامر متوقعاً، هو كان مرشحاً للرئاسة عام 2005 ثم عُين مستشاراً للامن القومي إلى ان اختلف مع احمدي نجاد. يتحدر لاريجاني من عائلة أئمة ويتمتع بثقة خامنئي كما انه المفضل لدى المتشددين، واصبح اخيراً رئيساً لمجلس الشورى وهذا منصب قوي بحد ذاته، وفي حصوله على هذا المنصب أزاح قريباً ومقرباً من المرشد الأعلى، عادل حداد. وقد يكون اختار رئاسة المجلس لانه لا يريد رئاسة الجمهورية. ثم انه ليس في صالحه ان يبدو كمن يقفز من منصب الى منصب آخر، وهو لا يزال عضواً في الحرس الثوري وصار معتدلاً بين المحافظين. اما قليباخ الذي لا يمكن تصنيفه اصلاحياً هو الآخر، فانه لم يفعل في ماضيه ما يصّنفه بأنه متحامل على الغرب اذ كان يدير طهران ويهتم بالبنى التحتية والمياه والكهرباء رغم انه لم يوفق في توفير الاخيرة دائماً، اذ تعاني طهران من انقطاع في التيار الكهربائي، لكنه محترم من قبل المحافظين وهو من المحافظين الوسط. لكن مع ما تعرضت له الحدود السورية ـ العراقية من غارة عسكرية اميركية، فهل هناك احتمال بأن تتعرض ايران لأي غارة هي الأخرى؟

يستبعد البروفيسور عسكري هذا الامر تماماً ويقول: «ان ايران غير مهددة عسكرياً. ولا يوجد سيناريو لحرب على ايران في ما تبقى من فترة الرئيس جورج دبليو بوش، اذ لاميركا مشاكلها الاقتصادية، هناك حربان مكلفتان في العراق وافغانستان، ولديها مشاكل في النظام المصرفي وسيكون لديها عجز مالي كبير، واذا بدأت حرباً ثالثة فان مشاكلها ستتضاعف بشكل جذري» ويضيف: «ان ايران حوالي ثلاثة اضعاف حجم العراق او اكثر، وسكانها ضعفا سكان العراق ويمكنها ان تقوم بعمليات ضد المصالح الغربية ليس فقط في لبنان انما في عدة دول اخرى، ثم انني لا اعتقد بأن الغرب يريد ان يشعل حرباً ضد ايران».

مع الادارة الاميركية المقبلة، قد يتقلص الحجم العسكري الاميركي في الشرق الاوسط انما لن يُلغى، وبغض النظر عمن سيكون رئيساً. يقول عسكري ويؤكد ان ايران منذ 200 عام لم تقم بغزو اية دولة «انها ليست من طلاب الحرب، لكن الايرانيين يريدون ان تكون بلادهم لاعباً رئيسياً في الشرق الاوسط ونظراً لتاريخ ايران فانها احدى اهم الدول في المنطقة ولا تريد ان تكون معزولة».

هناك شكوى متبادلة بين العرب والفرس في الشرق الاوسط. كل طرف يتهم الآخر بأنه ينظر اليه ويعامله كمواطن من الدرجة الثانية، وايران ترى ان اميركا تتدخل في هذه المنطقة من العالم اكثر بكثير مما كانت بريطانيا تفعل. وحسب ما صار معروفاً، فان ايران مع تطلعها الى تقلص الوجود العسكري الاميركي في الشرق الاوسط فانها تتطلع الى اتفاق اقليمي وتريد تنسيقاً وتعاوناً اقتصادياً مع دول المنطقة لأنها تحتاج الى ذلك.

لكن التعاطي الايراني مع المنطقة لا يشجع على الاطمئنان لنوايا الجمهورية الاسلامية، بل يثير الرفض والمخاوف من التوجهات والطموحات الايرانية. ويقول البروفيسور عسكري: «ان مشكلة الشرق الاوسط ان الدول تقاتل بعضها على ساحات دول فيه. واهم ساحتين الآن هما: لبنان وأفغانستان. وإذا كانت أميركا تمدد وجودها العسكري فان ايران تريد ان تجد طريقة لمواجهة اميركا». واسأله: «ماذا تريد ايران من لبنان؟ يجيب: تريد كسب المتعاطفين معها وبالذات الشيعة في لبنان. اعرف ان هناك لبنانيين لا يحبون ايران، لكنها تريد ان تحمي نفسها وترى لبنان بسبب الكثافة الشيعية فيه، حليفاً محتملاً لها». ويضيف: «في الحرب العراقية ـ الإيرانية كانت سوريا وحدها حليفة إيران ولا اعتقد بأن إيران تريد ان تكون في الموقف نفسه من جديد أي معزولة في تلك المنطقة. هناك شيعة في لبنان والمجموعة التي تحكم العراق اليوم ترتبط بعلاقات وثيقة مع طهران».

في النهاية، وبرأي البروفيسور عسكري، فان اولوية الادارة الاميركية المقبلة ستكون المشكلة الاقتصادية، ومشاكل الشرق الاوسط تؤثر على تلك المشكلة لانها تستنزف ثرواتها. وعلى إيران بالتالي أن تدرك أن مشكلتها المقبلة هي أيضاً اقتصادية وأنها لا تتمتع بمناعة كما يزعم بعض سياسييها.

ويقول: «لقد أجلت إيران اتخاذ قرارات اقتصادية مهمة لأن أسعار النفط كانت مرتفعة، الآن انخفضت الأسعار وعلى إيران وبسرعة أن تغير سياستها، كان يمكنها فعل ذلك تدريجياً في السنوات الماضية. وإذا جاء أوباما فلن يكون رئيسها المقبل احمدي نجاد، بل آخر مقبولاً من العالم ومن العرب».