أوباما وأصدقاؤه.. هل نحكم عليه؟

TT

توني ريزكو المجرم المدان، وبيل أيرز الإرهابي غير النادم، وأرميا رايت القس العنصري. من الصعب أن نفكر في أي مرشح رئاسي قبل باراك أوباما كانت لديه علاقات صداقة مع ثلاث شخصيات مروعة. ولكن فلندع حملة ماكين تثير هذه القضية، ولتبدأ وسائل الإعلام في شن الهجوم ضد وسائل الحملة القذرة المتأثرة بالعنصرية والماكارثية.

ولكن الصداقات أمر مهم. فهذه العلاقات تشير إلى جانب مهم من الشخصية. وهي مهمة فيما يتعلق برئيس محتمل جديد وغير معروف ومبهم ومكتف ذاتيا مثل أوباما. ومع تخييم الظروف الاقتصادية على كل شيء، ربما يكون من المتأخر سياسيا أن نطرح هذه القضية، ولكن ذلك ـ كما تقتضي الحكمة ـ لا يجعل من إثارة الموضوع الآن أمرا غير شرعي.

لا يلوم جون ماكين إلا نفسه على هذا التوقيت السيئ. فكان ينبغي عليه أن يبدأ في مواجهة أوباما بصداقاته منذ أشهر، قبل أن يسمح الانهيار الاقتصادي لحملة أوباما (ووسائل الإعلام، التي تقول نفس الشيء) برفض الاتهامات ووصفها بأنه رد فعل يائس من مرشح في مرتبة متأخرة. كانت لدى ماكين الفرصة في شهر إبريل (نيسان) عندما عرض الحزب الجمهوري في كارولاينا الشمالية إعلانا للحاكم يشير إلى صلة تربط بين أوباما وأرميا رايت. نددت «نيويورك تايمز» ومفكرون آخرون بالإعلان في حينه ووصفوه بالعنصرية. وكان هذا سخفا واضحا. فالعنصرية تعني معاملة الأشخاص على نحو مختلف ومتحيز على أساس العرق. فلو كان هناك مرشح رئاسي أبيض البشرة على صلة امتدت طوال 20 عاما مع كاهن أبيض البشرة ينشر الكراهية العنصرية علنا من منبره في الكنيسة، لتعرض هذا المرشح لهجوم عام واعتبر غير مناسب لتولي المنصب، بل وشطب من أوساط المجتمع الرفيعة.

وعلى الرغم من ذلك، انضم جون ماكين ـ بحكمته التي لا حدود لها وشعوره المتدفق بالاستقامة ـ إلى تنديد القطيع بهذا الإعلان الصحيح تماما، قائلا إنه لا مكان له في أية حملة. وبهذا، عزل ماكين نفسه من سلاحه، وتخلى عن استخدام صداقات أوباما الخارجة عن الحدود، وهي القضية التي تناولتها هيلاري كلينتون أكثر من مرة. بدأ مشوار أوباما السياسي بإقامة أيرز حفلة جمع تبرعات له في غرفة المعيشة. لو كان هناك مرشح جمهوري بدأ مشواره السياسي في منزل مفجر عيادات إجهاض ـ حتى وإن كان تائبا ـ فلن يستطيع حتى ترشيح نفسه كصائد للكلاب في منطقة معزولة. ولكن أيرز لم يظهر أي شعور بالندم، وكان أسفه الوحيد هو أنه «لم يفعل ما فيه الكفاية».

لماذا تعتبر هذه الصداقات مهمة؟ هل أعتقد أن أوباما فاسد مثل ريزكو؟ أو أنه يشارك رايت في عنصريته الثائرة أو أيرز في تطرف المتمسك بمعتقدات بالية منذ الستينات؟

لا، ولكن هذا لا يجعل هذه الصداقات غير مهمة، فهي توحي لنا بأمرين مهمين بخصوص أوباما:

أولا: سخريته وقسوته، فقد وجد أن هؤلاء الرجال مفيدون، وقد استفاد منهم. هل تذهب إلى كنيسة ينشر كاهنها العداء العنصري من على منبره؟ هل تصافح إرهابيا غير تائب، سواء كان فجّر منشآت عسكرية أميركية أو عيادات إجهاض، ناهيك عن الجلوس معه على طاولة واحدة؟

لن يفعل معظم الأميركيين مثل هذه الأفعال، ولكن أوباما فعلها، إن لم يكن على سبيل الاقتناع، فبسبب النفعية. فقد كان شابا يسعى وراء الطموح، وكان غريبا يحاول شق طريقه السياسي في شيكاغو. وقد قام بهذه اللعبة مع الجميع، دون وخز ألم من ضمير، وبنجاح منقطع النظير. إن أوباما ليس أول سياسي يترقى بواسطة آلة الفساد السياسي، ولكنه واحد من قلة نادرة وصلت بهم الجرأة إلى تقديم أنفسهم كمعالجين فائقين، يحومون في سمو من أجل إصلاح «السياسة القديمة»، وهذا السلوك اتبعه بحماس في شيكاغو من أجل خدمة طموحه الخاص.

ثانيا: الأكثر إزعاجا من السخرية، هو النظرة التي تتيحها لنا هذه العلاقات على معتقدات أوباما الأساسية. فهو لم يشارك الكاهن رايت أفكاره المسمومة حول العرق، ولا آراء أيرز ـ في الماضي والحاضر ـ حول الشر الذي يتجسد في المجتمع الأميركي. ولكن من الواضح أن أوباما لم يعتبر هذه الآراء خارجة عن الحدود، فعلى مدار أعوام عديدة، كان يجد سهولة وعدم معارضة في تعامله مع هذا الوسط الفاسد.

وحتى الآن ـ واليوم وهو على أعتاب الرئاسة ـ يعترف أوباما بكراهيته لهذه الصداقات، وكان هذا سببا في تخليه عنها. ولكن على مدى الأعوام التي جلس فيها في مقاعد كنيسة رايت، وكان له هدف مشترك مع أيرز، هل كان أوباما يعتبر هذه الصداقات جانبا شرعيا عاديا من العلاقات الاجتماعية.

هل تعتبرها كذلك؟ إن أوباما رجل ذو عقلية وطبيعة مزاجية من الدرجة الأولى، ولكن تظل شخصيته محل شبهات كثيرة. هذا هو الفارق بين الطبيعة المزاجية والشخصية. إن الاتزان فضيلة، ولكن التسامح مع الخطيئة ليس كذلك.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»