لمصلحة باكستان أولا.. الحوار الاستراتيجي مع إيران خط أحمر!

TT

أفضل ما في الجنرال برويز مشرف حفاظه على الثوابت الكبرى ببقاء باكستان بعيدة عن السياسات التوسعية الإيرانية. والتشاؤم من أن يأتي يوم تندم فيه غالبية الباكستانيين على إخراجه من الرئاسة، والإتيان بغيره، كابوس آخر. فمواقفه كانت واضحة بلا غواطس. منحازاً لصالح بقاء الجيش قوياً، بكل ما يمثل من آخر الضمانات للترسانة النووية، ومنحازاً في وقوفه قريباً الى دول الخليج العربية والغرب.

وفي أول تحرك خارجي مثير، للمؤسسة العليا الباكستانية، طرح موضوع إجراء حوار استراتيجي باكستاني إيراني حول أفغانستان، فيما هناك مطالب أو مبادرات لوساطة سعودية بين حكومة كابل وطالبان أيدها الأميركيون، تبعتها مطالبة غير موفقة للرئيس ساركوزي بإشراك إيران في الحوار حول أفغانستان. وهكذا تتداخل المعطيات وتتناقض النيات. فإيران كانت ولا تزال سبباً رئيسياً في إثارة الاضطرابات الإقليمية، وفي حال حضورها جلسات التفاهم والتخطيط لحل تلك النزاعات ستعمل ما في وسعها على زيادة الأمور تعقيداً للحيلولة دون الاتفاق، فذلك ديدنها. كما أن الغرور سيأخذها الى ما هو أبعد مما هي عليه، وستظهر وكأنها لاعب حقيقي. وهو ما لا ينبغي الاعتراف به، حتى لو كان واقعاً، وأحياناً يكون الواقع مريراً، ولا بد من رفضه والتصدي للمرارة بالعزم.

تقارب باكستاني إيراني غير مدروس ومستعجل ولا يأخذ المتطلبات الدولية والإقليمية بنظر الاعتبار، يعرض التوازنات الاستراتيجية الى خطر جدي، فباكستان قوية ومستقرة، ضمن المعطيات المعتادة لا خارجها، مطلوبة دولياً وعربياً وإقليمياً، مثلها مثل تركيا، مطلوبة مشاركتهما في كبح الغلو الإيراني، خصوصاً بعد الخلل الناجم عن غياب القدرة العراقية، وإذا ما اخترقت إحدى الدولتين، اختلت التوازنات بما يلقي عبئاً خطيراً على المعادلة المطلوبة.

باكستان دولة نووية، تعيش اضطراباً داخلياً، وليست محصنة تجاه الانهيار أو الانحراف، ويخشى أن يتخذ شعار محاربة الإرهاب ذريعة لانحراف حاد.

نواز شريف وزرداري..، كلهم من (زوار) الخليج السابقين، لكن، قد لا تقدم الزيارات واللقاءات ضمانة للمحافظة على الثوابت.

من أوليات قائمة المحظورات، رؤية باكستان قريبة الى إيران بنهجها الحالي، قبل حصول تغيير ايجابي جذري في فلسفة القيادة الإيرانية، وهو أمر مستبعد على المدى المنظور. ومما لا يمكن تفهمه وقبوله، أن يأتي يوم تكون فيه إيران دولة نووية، وهو احتمال لم يعد ممكناً استبعاده في ضوء الأزمة المالية العالمية، وتربطها علاقات قوية مع باكستان، على حساب التوازنات الاستراتيجية القائمة حالياً. فكابوس كهذا سيعيد المنطقة الى أشد مراحل الاضطراب عبر التاريخ. ويعني التصادم، وأي تصادم؟

ومع وجود عوامل اطمئنان نسبي، بعدم سماح الوضع الباكستاني للحاكم بإحداث انعطافة خطيرة في المعادلات، فلا يمكن التعويل على ذلك، من دون حزمة من التدابير والإجراءات الغربية والعربية الدقيقة والصارمة، قد يكون من بينها:

* مراقبة الوضع الباكستاني عن كثب لرصد المتغيرات وصد محاولات تغيير الاتجاه من بداياتها، لأن العبرة ليست في إثارة موجة مضادة للتوجهات المريبة، بل في الحيلولة دون انطلاق مسيرة التوجهات. ومفهوم المراقبة لا يحتاج الى تفسير.

* القيام بأقصى ما يمكن من المبادرات الغربية والعربية لمعالجة الوضع الأفغاني، عملياً وفقا للوقائع، بعيدا عن التفاهم المستحيل مع القاعدة. فالتنازلات السياسية المتفق عليها مع أطراف الصراع أفضل من التنازلات تحت مطارق الانكسار العسكري.

* استخدام كل وسائل التفوق الاستراتيجي الغربي، معززة عربياً، لدفع إيران الى عدم اللعب على الساحة الأفغانية، مع التأكيد على أن نهج التصدي للدور الإيراني في العراق، قد تأخر كثيرا وطال في ضعفه، بينما كان ممكناً إيقافها عند حدودها منذ الأسابيع الأولى لفترة ما بعد حرب 2003. وإن لم تمتنع (تمنع).

* تعزيز نفوذ المؤسسات العسكرية والاستخبارية والأمنية الباكستانية، وإقامة أفضل التنسيق معها، لبقائها قوة ضامنة للترسانة النووية والمحافظة على التوازن تحت أي ظرف.

* ربط الدعم المطلوب لحكومة إسلام آباد الحالية بالمحافظة على الثوابت، وعدم إعطاء إيران فرصة للإفراط في الغلو الذي لا يقود إلا الى الكوارث. ولا شك في امتلاك الغرب وعرب الخليج عناصر كبيرة من جوانب التأثير المهمة، شريطة ممارستها بثبات تحت مشاعر التحسب والقلق المشروعين.

يبقى أن تدرك الرئاسة الباكستانية والحكومة، أن اختيارات الشعب محترمة، ومن حق عرب الخليج تحديدا والعرب عموما وتركيا والغرب، (القلق) من التوسع في علاقات غير عادية مع إيران، تساعدها في مشاريعها الخطيرة، تحت أي مسمى. ومن مصلحة باكستان التاريخية، اقتصادياً وامنياً وسياسياً، أن تبقي حكومتها على الإطار العام للنهج الذي ورثته في العلاقات الخارجية، فذلك أقصر الطرقات، وربما الطريق الوحيد لبناء الاستقرار ودحر الإرهاب، فقوة باكستان تبقى مع محيطها السياسي العربي الغربي، أكثر من محيطها الجغرافي، طالما بقي بعض أطراف الشراكة الجغرافية في تضاد مع المجتمع الدولي. وعندئذ يرى القادة الباكستانيون أنفسهم، بصرف النظر عن أي شيء يحمل صفة شخصية، في موضع الترحيب، فيزدادون قوة وتأثيراً. مع التذكرة بأن رسائل التطمين الباكستانية مطلوبة عمليا ونظرياً، ليس فقط سراً للحكومات والأجهزة، بل لعموم الناس.

هنالك من يعتقد أن كل ما يجري ليس بعيداً عن نظريات المؤامرة لإحداث انشقاق في المنطقة، ولا نراه كذلك، فالعيب في الإقليم أولاً.

[email protected]