لم تعد مجرد لعبة!

TT

علق الاتحاد الدولي لكرة القدم والمعروف باسم الفيفا نشاط الاتحاد الكويتي للعبة، وبالتالي أصبحت كرة القدم الكويتية خارج النشاط الدولي إلى أجل غير معروف. ويأتي هذا الإيقاف والقرار الصارم نتاج مماطلة كبيرة وتغاض واضح من قبل الجهات الكويتية المعنية لتطبيق شروط الإصلاح وقوانينه التي يطالب بها الفيفا منذ فترة غير قصيرة وكانت تحاول كسب الوقت وتمديده الفترة تلو الأخرى. الفيفا حريص على أن تكون اتحادات كرة القدم في كل البلاد الأعضاء منتخبة وتعود قراراتها للجمعيات العمومية التي تنتخبها ويجعل الفصل بينها وبين الوزارات واللجان الحكومية، أو بمعنى آخر الفيفا حريص على أن تحول اتحادات كرة القدم إلى مؤسسات للمجتمع المدني كاملة المسؤولية والهوية تتبع أساليب المساءلة والمحاسبة والشفافية بشكل مسؤول وموضح بدلا من التبعية التقليدية للحكومات. ونفس التحدي هذا يواجهه أكثر من اتحاد كروي عربي (وإن كان لأسباب مختلفة)، فهناك أزمات بين الفيفا وبين السودان والجزائر والعراق وعمان تختلف أحجامها وظروفها ولكنها موجودة. الفيفا لم يعد مجرد جهاز يقنن رياضة ولكن بات حكومة عالمية تقدم مناهج وطرقا لإدارة الشأن الكروي، تحارب فيها الغش وتقاوم العنصرية والتمييز وتكافح الشغب وتواجه بشجاعة كارثة المخدرات، كل ذلك يتم من خلال دور مسؤول عالي المستوى يخاطب فيها الاحتياج الاجتماعي العالمي بسوية وعدالة. اليوم الهيئات والمؤسسات العالمية تعيد هيكلة نفسها وتعيد تقديم هويتها، ولكنها في ذات الوقت تقدم شروطا جديدة للانضمام لها.. شروطا مبنية على المشاركة والحس المسؤول. لن يكون العالم العربي، ودوله بطبيعة الحال، قادرا على المشاركة والمساهمة بفعالية وجدية في هذه المؤسسات العملاقة من دون أن تكون شروط العضوية المطلوبة مطبقة على نفسه أساسا في المقام الأول، أما القيام بالترقيع على اتفاقيات الانضمام أو طلب المهل والتأجيل واعتبار أن هذه الإجراءات ما هي إلا «شكليات» ليس إلا فهو خداع للنفس أولا. الفيفا والإجراءات الجديدة التي ينادي بها ما هو إلا مجرد مثال واحد على التغيرات الحاصلة على خارطة العالم الجديد المعولم، فهو انتصار لمؤسسات المجتمع المدني. فاليوم الحديث هو باسم الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الصحة الدولية، ومنظمة الزراعة (الفاو)، ومنظمة العمل الدولية، والمنظمة الدولية لحقوق الإنسان، واللجنة الاولمبية الدولية، والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وغيرها، إذ باتوا أهم من معظم دول العالم وأكثر تأثيرا وأشد فعالية بلا شك أو جدال. ليس من الماضي البعيد من كان يعتبر الرياضة وبالتالي الفيفا مجرد كيانات لإدارة شيء «تافه» اسمه كرة القدم لإلهاء الناس وإشغالهم عن أشياء «أخرى»، ولكن هذه الهيئات باتت تقدم مطالب وتصر على شروط اجتماعية وثقافية تعادل الدول الكبرى تماما. إنه زمن جديد وعصر آخر تماما.

[email protected]