بناء سور لمنع الهجرة

TT

في الوقت الذي تقترب فيه الحملات الانتخابية من نهايتها، تظل قضية الهجرة من بين الأمور التي لم يتم التطرق إليها بصورة كبيرة. فلم يتم التطرق إليها خلال المناظرات الرئاسية، كما أنها لم تأت على قائمة حديث أي من المرشحين. وقد ترك الكونغرس الأمر على الطاولة قيد البحث. والمشكلة أن تردد الكونغرس في مناقشة القضية خلق فراغا سياسيا وسّع من هوة الاختلافات السياسية الأميركية وتركنا في حالة من عدم الاتساق وعدم الفعالية وسياسة قومية غير إنسانية في حالات عديدة.

لقد أطلق الفشل في إصلاح الهجرة الشامل العام الماضي ـ عندما رضخ الكونغرس لصوت الأقلية ـ سيلا من المبادرات التي تم تصميمها لتظهر أن الحكومة الأميركية قادرة على تطبيق قوانيننا وتأمين حدودنا. وحقيقة الأمر أن عمليات التفتيش المتقطعة على مواقع العمل، وتطبيق قوانين العمل المحلية، وبناء سور على أجزاء من حدودنا الجنوبية، من بين الجهود التي لم تضف سوى القليل على جهودنا في التعاطي مع التحديات التي تمثلها الهجرة غير المشروعة.

وأبرز تلك المبادرات كان حملات التفتيش على مواقع العمل في المدن الكبيرة والصغيرة في البلاد. وعلى الرغم من أن تلك الحملات جاءت لتفي بالمطلب السياسي لإبراز قدرات الحكومة في تطبيق القانون، إلا أن تلك الحملات كان لها تأثير ضعيف على عدد العمال غير الموثقين في الولايات المتحدة.

وبدلاً من أن تقوم تلك الحملات بالدور المرجو منها، فإنها أحدثت تمزقا في مجتمعات المهاجرين وراح ضحيتها المواطنون والمقيمون الدائمون الأميركيون بمن فيهم الأطفال. والطبيعة الكاسحة لتلك الحملات ـ التي يقوم بها في بعض الأحيان مئات من عناصر تطبيق القانون المدججين بالسلاح ـ خلقت صعوبة بالنسبة لأولئك الذين ألقي القبض عليهم في تأمين الحصول على الحقوق القانونية العادلة والتي من بينها حق الحصول على مستشار. وقد نتج عن ذلك تشتت بعض تلك العائلات، كما أضر إقحام رجال تطبيق القانون المحليين في تطبيق قانون الهجرة إلى أريزونا وأجزاء من الجنوب، بالثقة بين أحياء المهاجرين ورجال تطبيق القانون بصورة واضحة، وأبعد رجال الشرطة عن التعامل مع المجرمين.

ولم يفلح الجدار الحدودي أو الأعداد الكبيرة غير المسبوقة من رجال تطبيق قانون الهجرة في إعاقة العابرين الجدد للولايات المتحدة، بل إنه ثبط المهاجرين عن الرجوع إلى بلادهم.

وربما كان الأمر الأكثر خطورة هو تلك الآثار العكسية طويلة الأمد التي خلفتها تلك السياسات على مجتمعات المهاجرين. فالشعور الذي يسود غالبية المهاجرين هو الخوف، فلم يعد المهاجرون القانونيون يشعرون بالقلق من ترحيل شخص محبوب لهم في إحدى مرات التفتيش على مواقع العمل أو بعد طرقة على الباب فقط، بل إنهم خائفون على مستقبلهم ـ وعلى مستقبل أولادهم ـ في الولايات المتحدة. وليست هذه هي الطريقة التي نشجع بها التكامل والمواطنة المسؤولة.

ويفضل المعارضون القول بأن الاقتصاد لا يحتاج إلى عمل المهاجرين سواء الآن أو في المستقبل. وتشير توقعات وزارة العمل خلال الأعوام المقبلة إلى أنه على الرغم من التراجع الاقتصادي الحالي ستشهد العديد من الصناعات المهمة وجود عمال يفتقرون إلى المهارة، وستكون البداية بالنسبة للبعض في عام 2010. وفي الوقت الذي ستتراجع فيه نسبة المواليد سيسهم المهاجرون في دعمهم عبر دفع مليارات الدولارات إلى نظام التأمين الاجتماعي.

وقد أصبحت الهجرة بالنسبة للكثير من المسؤولين المنتخبين «خطا ثالثا» في السياسة الأميركية، غير أن الإحجام عن مناقشة تلك المسألة الداخلية الملحة، سيؤدي إلى إثارة التوترات في الولايات والمحليات ويسهم بصورة كبيرة في إقصاء المهاجرين ومجتمعاتهم، ويؤكد بصورة ضمنية قبول تلك المجتمعات المختبئة والدائمة في بلدنا.

الأمل الذي يبرز من بين ثنايا تلك الأزمة الكئيبة من تاريخ الهجرة هو أنها تظهر أن طريقة تنفيذ القانون، فقط على الهجرة غير القانونية، هي طريقة غير فعالة وضد مصالحنا القومية، وإلا فإن الشعب الأميركي سوف يفكر مليا في السور ويتساءل: لماذا لم يجد نفعا.

* الكاتب قس كاثوليكي في ولاية أورلاندو

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»