ها قد كتبنا

TT

عندما يعطى الكاتب، خصوصا اليومي، أو المياوم بلغة الفلاحين، فكرة الكتابة يشعر بالامتنان. وفي شيء من العطف يقول لك الناس في المطارات وصالات الفنادق ومواقع المصادفة: لماذا لا تكتب عن بلادنا؟ وفي ذلك عطف أكثر مما فيه نقد. فالسؤال يعني أن ما تكتبه قد يهم الناس. وغالبا ما أنتظر فرصة مواتية لأكتب في الموضوع.

قبل أيام أصبت بحرج لا يوصف. فقد تقدم مني رجل مؤدب، بشوش، في بهو فندق «الفيصلية» في الرياض، وقال معاتبا: «لماذا لا تكتب عن الصومال؟». وترددت في الجواب. فالسؤال مهم حقا. أنت، أجل أنت، الذي تكتب كل يوم عن الأمم والدول والعالم والأشياء وحلول الخريف، ما الذي يمنعك عن الكتابة عن الصومال؟ ثم، المناسبة، فقط، لأن المناسبة قد حضرت، كيف تجرؤ على الكتابة عن الخريف بعد قصيدة بدر شاكر السياب عن الخريف في جيكور؟ هل من خريف في النثر أو في الشعر، بعد خريف بدر؟ بعد أحزان جيكور وأوراق جيكور وصفرة ذلك الناحل الذي كان يمشي متساقطا مثل ورقة خريف ومطرة خريف وعصفور خريفي خائف من ضباع الأرض؟

أحرجني حقا، أخي في الصومال. وأذكر أنني آخر مرة كتبت فيها عن البلد الشقيق درة القرن الأفريقي كانت قبل نحو ثلاث سنوات عندما أصبح السيد حسن صلادة رئيسا للوزراء. وبناء على تفاؤل مجلة «جون أفريك»، المرجع الأكثر دقة في شؤون أفريقيا، أعقلت وتوكلت وكتبت. لكن بعدها لم أعد أعرف الصومال الإيطالي من الصومال البريطاني من بلاد الصومال من الصومال بحري (القرصنة).

من الصومال بري (الميليشيات) من الصومال مجاعة، من صومال سيارات الجيب المحملة مسلحين يأخذون الرغيف من الناس ويعطونهم الرعب واليأس والفقر. كانت القرصنة قد اختفت من العالم، مثل الجدري والهواء الأصفر والطاعون، فإذا بها تعود للظهور كصناعة في الصومال، حيث قالت يافعة للـ«بي بي سي» إنها تحلم بالزواج من قرصان لأنه جريء وثري.

توحد الصومال بعد الاستقلال على يد سياد بري الذي كان يحب الثروة مغلفة بأفكار كارل ماركس. ولما مات لم يدم شيء. ولم يبق أحد يريد الكتابة عن الصومال سوى القارئ العزيز في بهو الفيصلية. أمرك.