شعار (الإسلام هو الحل).. أين هو من المشكلات العالمية؟

TT

* المطلع سؤالان:

* هل انطفاء شموع (غير المسلمين) يعني سطوع شمس المسلمين تلقائيا؟.. لا.. ومن هنا، فإن الذين ينتظرون هلاك الآخرين ليتقدموا هم لن يحصلوا على هذا التقدم أبدا، إذ إن التقدم (جهد ذاتي) متعلق بفكر الذات وإبداعها وفعلها وصلاحها «عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم».

السؤال الثاني: هل ينزع عنوان المقال إلى التشكيك في قدرة الاسلام ذاته على تقديم حلول للأزمات والمشكلات التي تعاني منها الأسرة البشرية؟.. لا. قطعا. فهذا التشكيك (ردة بواح).. والمسلم لا يريد ولا يطيق ولا يعقل الانتقال من (دائرة الاجتهاد الفكري) الواجب ـ والمجدد للإيمان ـ إلى دائرة (الردة العقدية) التي تنقض الإيمان.

تأسيسا على ذلك ليس ينبغي تجاوز البداية المنهجية التي لا يصح البدء إلا بها وهي: ان الاسلام ذاته يتضمن ما ينقذ البشرية، ويخرجها من مضايق أزماتها ومشكلاتها.. نعم، الاسلام يتضمن ذلك:

أولا: بحكم مصدره:

1 ـ فهو منزل من الله الذي يستوي في علمه: أمس واليوم وغدا، فلئن يغشى (التقادمُ) الفكرَ البشري، فإن هذا التقادم منفي عما أنزل الله جل شأنه: عالم الغيب والشهادة، وما بين أيدينا وما خلفنا، العليم ـ باطلاق ـ بما ينفعنا وما يضرنا في كل عصر وبيئة.

2 ـ والإسلام منزل من (رب الناس، ملك الناس، إله الناس)، أي للناس كلهم: بلا تفريق ولا تمييز.

ثانيا: بمقتضى حقيقة الكائن المخاطب بالإسلام وهو (الإنسان). فالموضوع الكلي للقرآن هو (الإنسان) من حيث هو، بغض النظر عن جنسه ولونه ولغته وبيئته ومستواه المعيشي والحضاري.

ثالثا: ان الاسلام هو (كلمة الله الأخيرة) الى البشرية، فلا نبي بعد خاتم النبيين، ولا وحي بعد القرآن (الوقائع التاريخية أثبتت هذه الحقيقة الدينية اليقينية). ولما كان الله الرحمن الرحيم اللطيف الودود أرحم بعباده من أن يتركهم سدى، بلا هدى، فقد تضمنت رسالته الخاتمة ـ سبحانه ـ ما يهدي الناس إلى ما يريحهم ويسعدهم، ويحل مشكلاتهم.

رابعا: ان الاسلام انتظم مضامين ومقاصد نفسية وخلقية واجتماعية وتشريعية تصلح لأن ترشد العقل البشري والسلوك الإنساني وتقودهما الى مقادير من الصواب والحكمة تجعلهما قادرين على أن يتفاديا المشكلات الكارثية ـ قبلا ـ أو تجعلهما قادرين ـ حين تقع المشكلة ـ على أن يتصوراها بطريقة منهجية صحيحة: تمهيدا لحلها على نحو صحيح.

هذا كله حق: حق أن الاسلام ثري جدا بذلك كله ـ ومثله معه ـ لكن ـ بصراحة تامة ـ: هل ينطبق هذا على (المسلمين)؟.. بمعنى: هل المسلمون قادرون ـ اليوم ـ على ان يقدموا للبشرية مخارج وحلولا ودلائل فكر وعمل: ما يعينها على تلمس طريق: أكثر راحة، وأقل رهقا؟

بمثل الجزم بأن الاسلام قادر على أن يقدم للبشرية حلولا وأدلة تفكير وعمل: يتوجب الجزم بأن المسلمين (غير قادرين) على النهوض بهذه الوظيفة أو المسؤولية.

وأسباب العجز الفادح هي:

1 ـ التفكير المحدود الشديد الضيق أو المنغلق الأفق، سواء عُلب هذا التفكير في علبة المفهوم المحلي أو الوطني الضيق، أو علب في مفهوم قروي انتحل صفة الوطنية.. والغريب العجيب: أن كثيرا ممن يحتل مثل هذا التفكير أذهانهم يجدون الجرأة في (التبجح) بأن الإسلام دين عالمي!!.. ما لكم وعالمية الإسلام التي (صغَّرتموها) بتفكيركم المكدود المهدود المحدود؟!.. وبدهي أن ذا التفكير القروي ـ في التصور والاهتمام ـ عاجز ـ بطبيعته ـ عن التفكير الموضوعي الجاد في مشكلات ومصائر أكثر من ستة آلاف بليون إنسان، هم سكان كوكبنا هذا من الأناسييّ.

2 ـ السبب الثاني لعجز المسلمين عن التقدم إلى عالمهم الإنساني برؤى خلاقة تسهم في إنقاذ الواقع البشري مما يفتك به هو: (الجمود الفكري) السائد والشامل والطويل الأمد.. ليس من العدل الفكري: إنكار ان هناك (ومضات فكرية) تلتمع هنا وهناك، لكنها ومضات تشبه (شمعات) محدودة الضوء خافته في ليل حالك السواد.. ثم انها شمعات تنقصها: خصائص ثبات الضوء واستمراره وشبكة الإضاءة المستديمة ذات المولدات الضخمة العالية الأداء.

ويبدو ان (بدعة الجمود) قديمة عند المسلمين.. لنقرأ ما كتبه ـ مثلا ـ ابن تيمية وهو يتحدث عن (الجمود الفقهي) في دولة بني العباس. قال: «ولكن منشأ هذا الخطأ (أي العجز عن تقديم فقه جديد) هو ان مذهب الكوفيين فيه تقصير عن معرفة سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم وسياسة خلفائه الراشدين. فلما صارت الخلافة في ولد العباس واحتاجوا إلى سياسة الناس وتقلدهم القضاء من تقلده من فقهاء العراق، ولم يكن ما معهم من العلم كافيا في السياسة العادلة «!!!» احتاجوا حينئذ الى وضع ولاية المظالم، وجعلوا ولاية حرب غير ولاية شرع، وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين حتى صار يقال: الشرع والسياسة. وهذا يدعو خصمه إلى الشرع، وهذا يدعو الى السياسة. حينئذ سوغ حاكم أن يحكم بالشرع وآخر بالسياسة.. والسبب في ذلك ان الذين انتسبوا الى الشرع قصروا في معرفة السنة».. ان فحوى كلام ابن تيمية: ان حكام بني العباس احتاجوا الى (فقه جديد) في إدارة الدولة بعد أن توسعت وواجهت مشكلات وقضايا جديدة، ولكن الفقهاء لم يقدموا هذا الفقه الجديد بسبب قصورهم في معرفة سنة الرسول الرحبة في السياسة الشرعية، وكانت نتيجة الجمود هي: نشوء ظاهرة تجاوز الشرع أحيانا لمواجهة قضايا عجز الفقهاء عن الوفاء بمتطلباتها الجديدة.. وخلاصة الخلاصة: ان الجمود قاد الى مفاسد عديدة، منها الافتئات على الشريعة، ومصالح الناس.

والاستفادة من هذه الوقائع التاريخية تتمثل اليوم في أن حالة الجمود تلك لا يزال مثلها يغشى حياة المسلمين. ومن هنا ينشأ السؤال المقصود (من كل ما تقدم في فقرة الجمود هذه).. والسؤال هو: هؤلاء المسلمون المعاصرون الذين يعجزون عن تقديم حلول لمشكلاتهم هم أنفسهم ـ في ضوء الإسلام ـ هل يستطيعون تقديم حلول لمشكلات وأزمات عالمية؟.. القول بنعم غير مستطاع البتة، لأنه قول مملوء بمعايب الغش، وخداع الذات، والادعاء الذي لا يسنده دليل، ويكذبه واقع الحال.

3 ـ السبب الثالث لعجز المسلمين عن القيام بدور فاعل في المشاركة الجادة في صياغة مستقبل البشرية ومصيرها هو (الانبهار السلبي بالغير وتقليده بلا حجة ولا وعي).. ونقصد بالانبهار السلبي: الولع بتقليد الغرب في (أخطائه) النفسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاخلاقية والتشريعية، على حين كان (الانبهار الايجابي) يقتضي تقليده في (التفوق) في الكونيات، أي في العلوم التجريبية: البحث العلمي وتطبيقاته (التكنولوجيا).. ومن صور الانبهار والتقليد السلبي: ان الغرب اضطر ـ لأسباب معروفة ووجيهة هناك ـ لطرح الدين وإقصائه حين أراد أن يتنّور وينهض ويتقدم. فجاء المنبهرون سلبيا ـ من المسلمين ليقولوا: ونحن المسلمين لا سبيل إلى تقدمنا ونهضتنا إلا هجر الدين والتحرر من قيمه وعقائده وشرائعه.. وهؤلاء لا يمكن أن يقدموا

(اجتهادات جديدة) تثري الحياة البشرية بما هو أصوب وأنفع وأروع، ذلك أن (المنبهر) يفقد القدرة على الرؤية الصحيحة، ومن ثم يعجز عن أن يكون (أصيلا) في إبداع إضافات جديدة مستقلة، إذ (التحرر من التقليد) شرط لا بد منه في الاجتهاد والتجديد، ولن تعثر في تاريخ الاجتهاد والتجديد على مجتهد أو مجدد كان يرسف في أغلال التقليد.. يُضم الى هذا المفهوم: أن الإضافات التجديدية تتطلب ثقة راسخة بالذات، ومن طبائع المقلدين أنهم فاقدون للثقة بأنفسهم.

4 ـ السبب الرابع لعجز المسلمين عن إبداع ما يمكن أن يسهم في حل مشكلات العالم هو: مشاركة مسلمين في تشويه ما عساه أن يكون حلا ذا أصل أو مصدر إسلامي لهذه المشكلة أو تلك من مشكلات عالمنا الإنساني.. ان هذا النفر من الناس مستعد لأن يقبل أي حل، سواء كان هذا الحل اشتراكيا أو قوميا أو علمانيا أو أحمر أو بنفسجيا.. أو.. أو. لكن إذا ذكر الإسلام وهداه ـ كحل ـ ولّوا على أدبارهم نفورا، وشنوا حربا على هذا الحل المحتمل.. وهذا النفور قد يتسبب بوجود متنطعين يصدون عن سبيل الله بتنطعهم الفكري والقومي والفعلي، بيد أن العاقل لا يحرم التفاح على نفسه بسبب أنه رأى كائنات أخرى غير آدمية تأكل التفاح!!

ذلك كله يوكد على ان الفجوة واسعة جدا بين شعار (الإسلام هو الحل) وبين (حلول عملية) ترقى إلى مرتبة حل مشكلات العالم، ومشكلات المسلمين قبل ذلك.