فشل حكومة بريطانيا في طرد «أئمة الكراهية» يضر بالمسلمين

TT

الساسة هنا في بريطانيا يناقشون الفائدة العملية لقوانين مكافحة الإرهاب، خاصة المتعلقة بترحيل مسلمين ـ غير بريطانيين ـ عرفوا بأئمة الشر يزرعون كراهية «النصارى واليهود» في أدمغة الشباب ويصدرون فتاوى تبيح تنفيذ عمليات إرهابية.

اذكر مقالة الزميل عبد الرحمن الراشد، صبيحة مصرع 52 وجرح المئات في 7/7 عام 2005 بعنوان «قلنا لكم امنعوهم.. واليوم نقول اطردوهم»، والمقصود أمثال الذين صوروا الإرهاب الذي اجتاح منطقة الشرق الأوسط، وكان المسلمون هم الأكثر عددا من ضحاياه، على انه جهاد في سبيل الله، وحثوا مسلمي بريطانيا على تقليده.

القوانين محل النقاش صدرت لتمكن وزارة الداخلية من ترحيل هؤلاء، أو رفض تجديد إقامتهم أو رفض منح تأشيرة دخول.

الأسس القانونية أن فتوى إباحة ارتكاب جريمة، تعتبر تحريضا عليها. ومن هنا قضاء أبو حمزة المصري عقوبة بمقتضى قانون التحريض على جريمة، والتآمر في الإعداد لها. وكان، مثل آخرين يصدرون فتاوى من نوع أن تفجير سيارة أمام ملهى أو في مطار هيثرو هو جهاد في سبيل الله لان الضحايا من الكفار غير المسلمين.

القانون البريطاني يعتبر مثل هذه الفتاوى خطوة في تدبير الجريمة وهي «التآمر لإعداد جريمة وتبرير العمل على تنفيذها للفاعل».

قانون انجلترا وإمارة ويلز يعتبر ارتكاب عمل يعاقب عليه القانون الإنجليزي جريمة إذا ارتكب في مكان آخر إذا كان مرتكب الجريمة أو المشارك فيها بريطانيا أو مقيما في بريطانيا.

وهذا يمنح الجهة المتضررة حق المطالبة بترحيل المشارك في الجريمة من بريطانيا لمحاكمته فيها (كطلب أمريكا تسليم أبو حمزة للمثول أمام محكمة أمريكية) أو محاكمته في انجلترا في غياب اتفاقية تبادل المتهمين مع بريطانيا.

أبو حمزة المصري أدين بسبب مشاركته في التخطيط لـ، والتحريض على، جريمة اختطاف في اليمن.

لجنة من نواب مجلس العموم تحقق مع وزيرة الداخلية جاكي سميث لفشلها في ترحيل شخص واحد من دعاة الكراهية.

محاموهم الذين يتقاضون أجورهم من الخزانة العامة حيث يعيش دعاة الكراهية هؤلاء على إعانة اجتماعية؛ نجحوا في إقناع القضاء بأن ترحيلهم ينتهك حقوقهم الإنسانية لان البلدان العربية والإسلامية التي سيرحلون إليها تطبق حكم الإعدام.

كما يستغل محاموهم ثغرات قانونية كادعاء بعضهم الإعاقة الجسدية وبالتالي حاجته للبقاء هنا للعلاج الطبي مجانا بأجهزة حديثة لا توجد في بلادهم الأصلية.

نجاح وزارة الداخلية في منع اثنين فقط من قائمة من عشرين جاء بالصدفة وليس بحكمة محامي الوزارة.

«الشيخ» عمر بكري محمد (فشلت رغم بحثي في العثور على الجهة المانحة للقب) زعيم حزب «المهاجرون» (التحرير سابقا)، غادر لندن عام 2005، قبل توجيه تهمة التحريض على القتل إليه، ولجأ لبيروت ـ مما يناقض ادعاءه في استمارة طلب اللجوء السياسي بأن عودته للبنان فيها خطر على حياته ـ وعندما تفجرت المعارك التي بدأها حزب الله مع إسرائيل 2006، أسرع «الشيخ» عمر بكري، الذي كان يحث مسلمي بريطانيا في كل صلاة جمعة على الذهاب لفلسطين لمقاتلة «اليهود» بالاتصال بالسفارة البريطانية لمنحه تأشيرة دخول للندن، رفضت السفارة لان «وجوده في بريطانيا يضر بالسلام والهدوء الاجتماعي».

النجاح الثاني والأخير كان أيضا مصادفة برفض بريطانيا منح تأشيرة دخول للشيخ يوسف القرضاوي لأن وجوده «يضر بالسلام الاجتماعي ويحرض على العنف ضد النساء».

صحيح أن القرضاوي شيخ له وزنه في الفقه الإسلامي، لكن الجميع متساوون أمام القانون البريطاني.

فتاوى وخطب الشيخ القرضاوي أثناء آخر زيارة له لبريطانيا تضمنت «تحريضات» مما وضع البريطانيين المسلمين في مأزق حقيقي، وربما يعرضهم للخطر في شكل رد فعل غاضب من الفئات الأقل حظا في التعليم من سكان البلاد الأصليين.

إذا كان تفجير انتحاري لباص أدى لقتل ثمانية يعتبر جريمة قتل في لندن، أو تفجير مجمع سكاني في الرياض، أو فندق في طابا أو عمان تعتبر كلها جرائم قتل، فبأي منطق يعتبر تفجير باص أو مطعم في مكان آخر من العالم عملا بطوليا، مرتكبه ليس قاتلا وإنما «شهيد» مثواه الجنة ومكافأته حورياتها الحسان؟

«تأديب» الزوجات ضربا، يعتبر جريمة تحريض على العنف ضد النساء يعاقب عليها القانون الإنجليزي الذي يمنع أيضا عقاب الأطفال جسديا. القانون نفسه يمنع تصنيف غير المسلمين في مرتبة اقل.

القانون يعتبرها مخالفات حفاظا على السلام الاجتماعي؛ فالمساواة أهم شروطه. لكن المخالفات فتاوى مسجلة بصوت الشيخ القرضاوى أثناء آخر زياراته لبريطانيا التي رفضت منحه تأشيرة الدخول.

وبخلاف عمر بكري والقرضاوي، فشلت وزارة الداخلية في ترحيل شخص واحد ممن نصبوا أنفسهم زعماء لمسلمي بريطانيا. ويرى عدد من المثقفين من مسلمي بريطانيا طرد هؤلاء من البلد حماية للجيل الناشئ من مسلمي البلاد من أفكارهم.

العائق الأول لترحيل معظم هؤلاء هو إصرار بلدان عربية وإسلامية على إبقاء عقوبة الإعدام جزءا من قانون العقوبات، مما يعطي قضاة انجلترا وويلز فرصة رفض طلبات الترحيل لان ذلك قد يعني حرمانهم من حق الحياة .

العائق الثاني هو الثغرات القانونية التي يحاول محامو الحكومة الآن العمل على سدها، ولن يتم أي تعديل إلا بموافقة البرلمان الذي لن يوافق إلا إذا رأى في سد الثغرات انتهاكا لمبادئ الحرية الشخصية كالتنصت على التليفونات أو منح البوليس حق الحصول على البيانات الشخصية من جهات ثقة تقليديا كالطبيب والمحاسب ومدير البنك.

وللأسف فإن استغلال الأصوليين الإسلاميين لقوانين الحرية هنا يسبب أضرارا بالغة للمسلمين أنفسهم؛ إما بوجود ثغرات تمنع الحكومة من تخليص المجتمعات الإسلامية من دعاة الشر؛ أو بالقضاء على جزء كبير من الحرية الشخصية لبقية المواطنين فيكون رد الفعل كراهية الإسلام والمسلمين وتعريضهم وأولادهم لغضبة بقية فئات المجتمع، قد تؤدي إلى كارثة.

ولا يزال العالم يذكر كيف تحول ستة ملايين يهودي لكبش فداء لقضية المجتمع الألماني عندما أقنعت بروباجندا هتلر الألمان أن اليهود سبب سوء أحوالهم، وقد بدا بالفعل اليمين النازي هنا في إقناع الناس بمسؤولية المسلمين عن تغير نمط الحياة المعتاد في مجتمعهم.