المغرب والألفية الثالثة: التنمية والديمقراطية

TT

على مدار يومين متتاليين أتيح لي ان احضر مؤتمرا مكثفا هاما عن مشاكل التنمية في المغرب ودول الجنوب بشكل عام. وكان ذلك تحت عنوان: «المنتدى الدولي والألفية الثالثة للتنمية» وقد نظمته الوكالة الدولية للتنمية برئاسة الأستاذ عبد الكبير حقاوي والمنسق العام يوسف الهلالي وذلك بالتعاون مع الحكومة المغربية. وقد أخرجني هذا المؤتمر من الدراسات النظرية والفلسفية التي قد تبدو تجريدية احيانا وأدخلني في صميم الواقع المحسوس ومشاكله وهمومه. ونقطة الانطلاق الاولى هي ذلك الاعلان الشهير الصادر عن الأمم المتحدة عام 2000 والداعي الى تحقيق الاهداف الثمانية التالية منذ الآن وحتى عام 2015. أولا: تقليص الفقر المدقع بنسبة النصف، ثانيا: ضمان التعليم الأولي للجميع، أي تمكين جميع الاطفال ذكورا واناثا من انهاء سلك التعليم الابتدائي كاملا والقضاء على الأمية في دول الجنوب. ثالثا: تشجيع المساواة بين الجنسين واستقلالية النساء. رابعا: تخفيض نسبة وفيات الاطفال بنسبة ثلاثة ارباع. خامسا: تحسين صحة الأمهات. سادسا: محاربة داء الايدز والملاريا وأمراض اخرى. سابعا: دمج مبدأ التنمية المستدامة في السياسات الوطنية عن طريق الحفاظ على البيئة وتقليص نسبة السكان الذين لا يحصلون على الماء الصالح للشرب بنسبة النصف وانقاذ مائة مليون من سكان مدن الصفيح. ثامنا: اقامة شراكة دولية من اجل التنمية. والمقصود بها شراكة بين الدول الغنية والدول الفقيرة.

هذه هي الاهداف النبيلة التي حددتها الأمم المتحدة لدول الجنوب وطالبتها بتحقيقها على أفق 2015 ومعلوم ان رؤساء معظم دول العالم كانوا قد اجتمعوا في الأمم المتحدة لبلورة هذه الخطة التنموية الكبرى عام 2000. وكان ذلك بمثابة اكبر اجتماع يحصل في رحاب المنظمة الدولية العريقة. وطالبت الامم المتحدة جميع دول الجنوب الفقيرة وغير المتطورة بأن تقدم سنويا تقريرا عن مدى التقدم الذي حققته في مجال التنمية والقضاء على الفقر والأمية، الخ..

ولكن للأسف فإنه قد حصل حدثان أديا الى زعزعة هذا المشروع الكبير الهادف الى انقاذ العالم الثالث: الاول فهو تفجيرات 11 سبتمبر الاجرامية التي قلبت أولويات الولايات المتحدة وبالتالي الأمم المتحدة رأسا على عقب. والثاني هو الأزمة المصرفية التي أصابت العالم الرأسمالي حاليا والتي لم يسبق لها مثيل منذ اكثر من سبعين سنة. كلا هذين الحدثين عرقل مشروع الأمم المتحدة لان الاولوية اصبحت لمحاربة الاصولية والارهاب لا لمحاربة الجوع والفقر والأمية. ولكن هل يعلم قادة الغرب المتغطرس ان القضاء على الأصولية والارهاب لن يتحقق الا بعد القضاء على الفقر المدقع والجوع والأمية والجهل في العالم الاسلامي؟ هناك علاقة وثيقة بين الأمرين وان لم يكن صحيحا اختزال ظاهرة ضخمة كالأصولية الى مجرد الفقر. رئيس المؤتمر عبد الكبير حقاوي ركز على مسؤولية الغرب الذي لم يف بوعوده بمساعدة الشعوب الفقيرة على التنمية والنهوض. والأنكى من ذلك هو ان فقراء الجنوب عندما يغامرون بأنفسهم ويركبون البحر ويصلون الى شواطئ الجنة الموعودة، أي أوروبا، يفاجأون بأن هذه الجنة لن ترحب بهم وانما سوف تسجنهم لمدة ستة أشهر أو سنة أو أكثر ثم تطردهم بعد ذلك! والكثيرون منهم يموتون غرقاً حتى قبل ان يصلوا الى شواطئ الأرض الموعودة.. انظر إلى القوارب التي تغرق على شواطئ ايطاليا أو إسبانيا. مجرد ذكر ذلك يصيبك بالقشعريرة..

علاوة على ذلك فإن الجهات المانحة التي التزمت أمام الأمم المتحدة بمساعدة بلدان الجنوب على التنمية والنهوض لم تف بوعودها ولم تقدم المساعدات المطلوبة منها. فقد كانت التزمت برفع مستوى مساعدتها لكي تصل الى 0.7% من دخلها الخام. وهذه النسبة على الرغم من صغرها الا انها تشكل مئات المليارات من الدولارات الاميركية والاوروبية واليابانية الخ. تقول السيدة لطيفة آخرباش كاتبة الدولة المغربية لدى وزير الخارجية والتعاون بأن مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة عام 2007 نقصت بمبلغ مقداره (103) مليارات دولار أو أكثر قليلا. وهذا أكبر دليل على عدم جدية الدول الصناعية الكبرى في التضامن مع الدول الزراعية الفقيرة. وبالتالي فقد انكشفت وعود الغرب التي قطعها على نفسه أمام الأمم المتحدة عام 2000 عن سراب أو شيء يشبه السراب. ثم جاءت هذه الأزمة المصرفية اللاأخلاقية لكي تزيد الطين بلة.

لقد أكد المتدخلون ومن بينهم وزراء مغاربة على خطورة الوضع. وقالوا بأن أهداف الألفية الثالثة للأمم المتحدة لن تتحقق في الموعد المفروض: أي عام 2015. صحيح ان المغرب وبعض دول الجنوب الأخرى قامت بجهود لا يستهان بها لتحقيق هذه الأهداف التي تنتظرها الشعوب بفارغ الصبر. ولكن العديد من الدول الأخرى لم تفعل شيئا يذكر لتحقيقها وتحسين وضع شعوبها. وأكبر دليل على ذلك العديد من دول افريقيا السوداء، حيث تزايدت البطالة والمجاعات في السنوات الأخيرة بدلا من ان تتناقص. وهناك أيضا دول عربية عديدة ينقصها الحكم الرشيد الناتج عن الفساد والرشوى والمحسوبية والديكتاتورية. وبالتالي فلا تنمية ولا ديمقراطية!... لقد تميزت مداخلة السيدة نزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن بالكثير من الدقة والحماسة لانقاذ الوضع أو تحسينه على الأقل. وقالت بأن مسؤولية التنمية وتقليص نسبة الفقر هي مسؤولية المجتمع المدني. ايضا وليس فقط الحكومات. وفاجأتنا عندما قالت بأن النساء افضل من الرجال وأكثر فعالية في عملية التنمية. وذلك لأن المرأة اذا ما تسلمت منصبا رفيعا في الدولة فإنها لا تستغله عادة لأهداف شخصية وانما لخدمة المجتمع والمواطنين بالدرجة الأولى. يضاف الى ذلك ان المرأة ليست مهووسة بالسلطة والنفوذ وتجميع الاموال مثل الرجل. وأعتقد ان كلامها صحيح وانه لو سُلمت قيادة البلاد في الدول العربية للنساء العربيات لكان الوضع افضل مما هو عليه الآن. فلنجرّب حكم السيدات اذن...