الرمق الأخير..

TT

ساعات قليلة جدا ويحسم الأمريكيون سباقهم الرئاسي ويختارون قائدهم الجديد بعد سباق مثير حظي بمتابعة استثنائية من العالم بدون استثناء، ويحمل هذا السباق الكثير من عناصر الإثارة والدراما، وإن كانت القصة «الرئيسة» فيها تبقى: احتمال وصول أول رئيس أفريقي أمريكي إلى سدة الحكم والبيت الأبيض.

أوباما، أو باراك حسين أوباما ابن الرجل الكيني البسيط والذي ينتمي لقبيلة كينية من أقلية اثنية، والذي منح من زوج أمه الإندونيسي لاحقا اسمه الأوسط «حسين» وليس كما يعتقد الكثيرون أن أباه مسلم واسمه حسين، ففي أمريكا الاسم الأوسط هو اسم ثان للشخص وليس اسم الأب، واليوم باراك أوباما على أعتاب رئاسة الدولة الأكبر في العالم.. أحد أفراد الأقليات يقترب لرئاسة بلاده، يا لها من صورة مدهشة للحريات.

وهذه ليست حالة أمريكية حصرية؛ ففي جامايكا انتخب المواطنون السود رئيس وزراء أبيض لأكثر من دورة بنجاح كبير، وكذلك فعل سكان جزيرة موريشيوس حينما انتخبوا رئيس وزرائهم من الأقلية ذات الأصول الفرنسية المستعمرة السابقة لهم. والهند أيضا صاحبة الأغلبية الهندوسية الكاسحة يحكمها اليوم رئيس وزراء من طائفة السيخ القليلة عددا، وكان رئيس جمهوريتها مسلما، واليوم تترأس الجمهورية مسيحية وكلاهما من الأقليات.

باراك أوباما لو كتب له الوصول للرئاسة والفوز سيكون نتاجا طبيعيا لحصاد أسوأ إدارة أمريكية في التاريخ، ونعم بالإمكان القول ذلك بكل ثقة وجزم، فلا توجد إدارة تركت هذا الكم من الإرث المعيب والنتائج المزرية كإدارة جورج بوش الابن. ولقد بلغ جورج بوش من سوء السمعة واللاأهمية إلى درجة أن اسمه لا يذكر أبدا ولا يدعى للحضور أو إلقاء أي كلمة لأي مرشح جمهوري في هذه الانتخابات الكبيرة. كل جمهوري يريد الابتعاد عنه ليقينه برعونة الرجل وإدارته.

أمريكا لا تستعد لاستقبال رئيس جديد فحسب، بل تستعد لتوديع كارثة رئاسية كبرى خلفت من المصائب ما سيكون القادم الجديد للبيت الأبيض بحاجة لوقت هائل لعلاجها. أستغرب وأتعجب ممن يؤيدون نهج ماكين في عالمنا العربي، وهو الذي يتبنى الكثير من سياسات بوش، أفلا ينظرون إلى سياسات بوش ونتائجها؟ إنه لم يحقق أي إنجاز مما وعد بعمله بل ترك خرابا وتطرفا مهولا. وإذا كان تنظيم «القاعدة» أطلق حرب الحضارات، فإن عصابة المحافظين الجدد كانت البوق المروج له ولا شك وحماقاتها تؤكد ذلك.

باراك أوباما لديه الفرصة في الوصول للرئاسة في أمريكا اليوم كأقلية أكثر من فرصة وصوله كأقلية إذا بقي في بلد أبيه كينيا، وهذه في حد ذاتها معلومة تستحق كل الاحترام والإعجاب. من المفروض أن نهنئ أوباما بالوصول للحكم في أمريكا، هكذا يقول المنطق إلا إذا حدث في الأمر شيء آخر.

[email protected]