أبو حسين رئيسا أمريكيا

TT

كل طرق أوباما باتت تؤدي إلى البيت الأبيض وغدا الثلاثاء سنرى الرجل الأسود في البيت الأبيض ما لم تحدث مفاجأة. العرب والمسلمون متعاطفون مع أوباما وإن ضايقتهم تصريحاته ومواقفه المؤيدة لإسرائيل والمتبرئة من ماضيه الإسلامي لدرجة التطرف، فسحنته الأفريقية واسمه الشرقي تجعل من وجوده في البيت الأبيض رئيسا لأقوى دولة على كوكبنا الأرضي في نظر كثير من العرب والمسلمين أمنية حتى ولو لم يحرك في سياسة أمريكا الفاشلة ساكنا.

أتصور أن أوباما ليس له في الأصل مع القضايا العربية والإسلامية مشكلة، لكن استمرار الحملة الشرسة من منافسه ماكين ومن اليمين الأمريكي المتطرف عليه وعلى انتمائه الإسلامي السابق ووجود اسم حسين في اسمه الثلاثي جعله يبدو مفرط الحساسية تجاه هذين الانتماءين ليكون ملكيا أكثر من الملك، وهذا ما جعل بعض العرب ومعهم كثير من الحق لا يتفاءل من انتخابه رئيسا لأمريكا، فأوباما في النهاية يعنيه في الدرجة الأولى مستقبله السياسي وإشباع طموحه، وأي طموح أكبر من وجود رجل أسود في البيت الأبيض لأول مرة في التاريخ الأمريكي؟ ولهذا «تطرف» كثيرا في بعض مواقفه مثل خطابه الشهير في «إيباك» أكبر مؤسسة للوبي اليهودي والذي أعطى فيه من الوعود ما كان فوق طموح الإسرائيليين، وبارك «باراك» تنظيم مناظرته مع ماكين في الكنيسة المعمدانية استجابة لنفوذ الجماعات المسيحية المتطرفة وإبعادا لشبهة انتمائه للإسلام.

ومع الفارق بين الزعيمين أوباما والأمير تشارلز ولي العهد البريطاني، إلا أن موقف الأخير تجاه القضايا الإسلامية يشبه إلى حد ما موقف الأول، فمنذ أن شاع بين البريطانيين إمكانية أن يكون الأمير تشارلز يكتم إسلامه صار له هو الآخر بعض الحساسية تجاه القضايا العربية والإسلامية في تصريحاته ومواقفه، وأذكر أنني التقيت الأمير تشارلز في أواخر التسعينات، وقلت له هل يعقل أن المركز الإسلامي في لندن «ريجينت بارك» الذي أهداه جدك الملك جورج السادس للجالية الإسلامية في بريطانيا لم تقم بزيارته؟ واقترحت عليه إلقاء محاضرة، فرفع حاجبيه الكثيفين متعجبا ومتبسما وأعطاني موافقة مبدئية، فزارني أحد مستشاريه لمناقشة الموضوع وقال لي إننا بسبب الحملة الإعلامية على الأمير وشائعة إسلامه أو على الأقل تعاطفه مع الإسلام لا نرى مناسبة زيارته للمركز.

وكما وصف أوباما بأن حملة الانتخابات الأمريكية تزداد «وساخة» في آخر أيامها، ها هو ماكين يقذف آخر ما لديه من هذه القاذورات في طريق أوباما لعلها تعرقل هذا الهامر الأمريكي السريع، والقاذورة الأخرى اتهام أوباما بالإرهاب بسبب صلته بناشط فلسطيني له نشاط في مناصرة القضية الفلسطينية والتوعية بمآسي الشعب الفلسطيني، وانتقلوا من «حسين» اسم أبيه المسلم إلى اسمه الأول «باراك» وقالوا إن هذا الاسم عربي بل ديني، تحرف قليلا من كلمة «براق» وهي الدابة السريعة التي حملت الرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وحتى يكتمل العقد قالوا إن اسم العائلة «اوباما» له وزن «أسامة» وهذه لها ما لها من الدلالات الإرهابية! ولو كان أوباما يحمل اسم ماكين لقالوا هذا اسم ديني ورد في القرآن.

ليس من المنطق التفاؤل لأي تغيير جذري إيجابي عندما يترشح أوباما لمنصب رئيس الولايات المتحدة، لكن ثمة إيجابيتين في نجاحه في الانتخابات، إحداهما أنه كسر لاحتكار الرجل الأبيض للبيت الأبيض، وثانيتهما أنه سيكون أفضل حالا من غيره في اعتماد خطوات هامشية في السياسة الخارجية الأمريكية ستكون أقل رعونة وغطرسة من سياسة سلفه.

[email protected]