إعادة توحيد العالم

TT

كشف استطلاع غير علمي للرأي، أجري هذا العام وشارك فيه 109 مؤرخين أن 61% منهم وضعوا الرئيس بوش كأسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.

بينما أعتقد آخرون أنه يأتي في المرتبة الثانية بعد جيمس بوشنان الذي أدى افتقاره إلى الكفاءة إلى إعداد الساحة لحرب أهلية، ورأي أكثر من 98% من المؤرخين المشاركين في الاستطلاع الذي أجرته شبكة هيستوري نيوز نت ورك فترة رئاسة بوش أنها فترة إخفاق.

لم تهتز فترة رئاسة بوش من الداخل بسبب الفساد الشخصي أو الرشوة لكنها اهتزت لأنها عزلت الولايات المتحدة عن المجتمع الدولي، وقد وصلت سياسة الكاوبوي التي ينتهجها إلى الحد الذي أدى إلى أن يجافيها أصدقاؤها، حيث حول أميركا من قوة عظمى إلى دولة شاذة، وبدلاً من عزل كوريا وإيران عزل الولايات المتحدة وقوض من قدرته على تحقيق أهدافه.

إذا فإن الأولوية بالنسبة للرئيس باراك أوباما أو الرئيس جون ماكين هي أننا يجب علينا إعادة توحيد العالم.

وهناك طرق ثلاثة رئيسية لتحقيق ذلك، ويمكن من خلالها إعادة تشكيل صداقتنا مع حلفائنا:

أولا: يجب ألا نغلق معتقل غوانتانامو فقط، بل يجب أن يتحول إلى مركز دولي للأبحاث حول الأمراض الاستوائية التي تصيب الدول الفقيرة ومن ثم يمكن أن نصبح حينئذ مثالاً للتعاون الإنساني.

كما يجب على الرئيس الجديد أن ينشئ لجنة حقيقية «تروث كومشن» للتحقيق في التعذيب والانتهاكات الأخرى التي حدثت خلال «الحرب على الإرهاب» شريطة أن تكون محايدة وغير متعصبة ويديرها الجنرالات المتقاعدون وشخصيات استخباراتية مثل برنت سكوكروفت أو كولن باول.

مثل أولئك الأعضاء سيحترمون كأشخاص يتمتعون بالعدالة والثقة بصورة لن تثير غضب أي من الديمقراطيين أو الجمهوريين وستؤكد على أننا متلهفون للعودة إلى المجتمع المدني العالمي.

ثانيا يجب على الرئيس القادم أن يبرهن على أننا لن نواجه المشكلات بعد الآن من خلال إثارتها وتفجيرها، فعلى الرغم من أن الحل العسكري مطلوب لكنه يجب ألا يكون الخيار الأول لتحديات القرن الحادي والعشرين، فلن يمكنك تفجير تغير المناخ.

كما أننا يجب أن نوجه المزيد من الاهتمام إلى الدبلوماسية العامة، فالسياسة في أفغانستان وباكستان عبارة عن فوضى، وربما يعود ذلك في بعض منه إلى التأييد الذي يلقاه أسامة بن لادن في باكستان حيث حصل على نسبة تأييد بلغت 34% مقابل 19% لأميركا، ومن ثم فنحن بحاجة إلى أسلوب جديد عندما نفقد مسابقة العلاقات العامة أمام قاتل جماعي هارب. والطريقة الجديدة تعني بذل المزيد من الجهد لتحقيق السلام في الشرق الأوسط والتعهد بالتفاوض مع الدول المارقة. وسياسة الاشتباك التي بدأها بيل كلينتون كانت صداعا مستمرا لكيم يونج إيل ولم يتمكن خلال فترة رئاسة كلينتون من تخصيب يورانيوم يكفي لصنع رأس نووي واحد غير أنه في فترة رئاسة بوش أنتج ما يكفي لصنع أكثر من ستة رؤوس نووية. والنتيجة كالآتي: سياسة كلينتون لا أسلحة نووية؛ سياسة بوش الغوغائية 6 أسلحة نووية.

ثالثا يجب أن نتعاون مع الدول الأخرى في الشؤون الإنسانية بما فيها تنظيم الأسرة، فإحدى حماقات بوش التي أدهشت حلفاءنا وأثارت حنقهم رفضه الشديد لدعم تنظيم الأسرة في صندوق السكان التابع للأمم المتحدة.

وكانت نتائج الفشل في دعم منع الحمل وجود ملايين من الحمل الخاطئ وحالات الإجهاض، ومن الصعب التوقع أن تؤدي سياسة أي رئيس في العالم إلى هذا العدد من حالات الإجهاض على مستوى العالم أكثر من الرئيس بوش.

لكنني على الرغم من كل انتقاداتي، إلا أنني سأخالف إجماع المؤرخين وأضع بوش في المرتبة الثانية بعد بوتشانان، لأن بوش قد بدأ برامج المساعدات الخارجية ضد مرض الإيدز والملاريا والتي أنقذت الملايين من الأرواح، وقد تحول الكثير من برامج المساعدات إلى مناطق في جنوب أفريقيا، لكنه مع ذلك أثار غضب العالم حيث لم تحصل أميركا على مصداقية كافية تكافئ إنجازاتها الضخمة. لكن البعض قد يقول بأن انتهاج أسلوب الود والعمل الجماعي لن يحل مشاكل العالم، فإيران لن تتخلى عن برنامجها النووي لأنها تحبنا وأن القوة لازمة لردع المارقين. لكن دون وجود رصيد سياسي عالمي، فلن يكون لدينا القدرة على تشكيل ذلك الحلف القوي اللازم لإقناع تلك الدول، وفي غياب الثقل الدبلوماسي لن يمكننا التهديد بالضرب بيد من حديد. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية قادت الولايات المتحدة الجهود الدولية لبناء مؤسسات دولية لتعزيز السلام والرخاء، كان من أهمها الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقد خدمت جميعها مصالحنا، ونحن بحاجة، الآن، في أعقاب الحرب الباردة إلى إعادة التفكير صيانة ذلك البناء للنصف الثاني من القرن الحالي وما بعده.

فعلى سبيل المثال، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون جزءا من المحكمة الجنائية الدولية وأن تقود الحملة من أجل معاهدة جديدة للتغير المناخي. والرئيس القادم يجب أن يكون مهندس ذلك النظام الدولي الجديد بدلا من أن يكون الحاضر الغائب التي كانت إدارة بوش أصدق تمثيل له. وقد أدخلت الولايات المتحدة نفسها في عزلة اختيارية على مدار ثماني سنوات وذلك أحد أسباب فشل فترة رئاسة بوش على أصعدة مختلفة، لكن دعونا نوحد العالم بعد يوم الثلاثاء.

* خدمة «نيويورك تايمز»