المشكلة ليست في الرئيس

TT

انتخابات الرئاسة الأميركية تبدو كما لو كانت انتخابات العالم، فالأميركيون وحدهم هم الذين يصوتون، وسيحددون يوم غد من سيكون السيد الجديد في البيت الابيض بناءً على واقعهم المحلي وتوقعاتهم من كل مرشح، بينما باقي العالم يراقب باهتمام بالغ. وقد يكون له رأيه في اي المرشحين افضل بالنسبة له بدون ان يكون له حق التصويت.

وهذا هو حال العالم مع كل انتخابات رئاسة أميركية، فهي حدث بالغ الأهمية يمس مصالح مناطق العالم كلها بحكم وضع الولايات المتحدة كقوة عظمى اولى او وحيدة حاليا وتداخلها وتشابكها في كل سياسات وقضايا العالم، وكذلك اقتصاده كما ظهر في الأزمة المالية الحالية التي بدأت من هناك وانتشرت عدواها الى بقية الاقتصادات بتأثير متفاوت من منطقة الى اخرى في الكرة الارضية.

ومنطقة الشرق الاوسط ليست استثناءً من الاهتمام العالمي بانتخابات الرئاسة الأميركية، بل قد تكون الاكثر اهتماما ومتابعة وأملا في ان تنعكس عليها بشكل ايجابي او حتى على الاقل بشكل اقل سلبية مما مضى، وهو امر طبيعي نظرا للتداخل الأميركي في أبرز قضايا المنطقة وأولها عملية السلام والعلاقة مع اسرائيل، وقضية العراق والوجود الاميركي هناك، والطاقة والنفط الى آخر هذه القضايا.

وليس صعباً التخمين الى اين يميل مزاج الرأي العام الشعبي في الدول العربية في تفضيل مَنْ يريد ان يصل الى البيت الابيض هذه المرة، وهو مجرد مزاج لا يرتكز على حسابات مصالح او سياسات او قراءة جيدة للبرامج، ولكن على انطباع، وهي مسألة تتكرر مع كل انتخابات وتبنى فيها توقعات وآمال لا تلبث عندما تبدأ السياسات الحقيقية في ان تحدث خيبات أمل، وتبدأ الكليشيهات التقليدية في انه لا يوجد تغيير بالسياسات الأميركية ايا يكون الرئيس الجديد.

والحقيقة هي ان ما يحرك السياسات الاميركية هي المصالح الأميركية أيا يكون الرئيس الجالس في البيت الابيض، وهناك مؤسسات راسخة تقوده وتوجه سياساته. صحيح ان النظام هناك رئاسي والرئيس يتمتع بسلطات واسعة، لكن هناك ايضا الكونغرس الذي يستطيع وضع عراقيل كثيرة أمامه وعرقلة سياساته إذا اراد. فالمسألة هي خليط من شخصية الرئيس ورؤيته وأسلوبه في الادارة ورؤيته للعالم والمصالح الثابتة، خاصة في السياسة الخارجية.

لكن ايضا، فان السياسة الخارجية الأميركية لا تتحرك في فراغ، فهي تتحرك في محيط يتفاعل معها، تؤثر ويؤثر فيها، ويمكن اقناعها برؤى جديدة او تغييرها في اطار قواعد اللعبة والدبلوماسية والمصالح الدولية، وهكذا تدار الأمور بين الامم او الكتل او بين القوى الفاعلة في الشرق والغرب.

بعبارة أخرى، فان الفاعلية هي مفتاح الكثير من الامور في السياسة الدولية في اطار موازين وعدم اللجوء الى سياسات نطح الجدران التي لن تؤدي الى شيء سوى الى شق رأس صاحبها. وفي الحالة العربية قد تكون هناك الكثير من الأمور التي تتطلع اليها المنطقة من السياسة الأميركية الخارجية، لكن التجربة تشير الى انه في الكثير من الاحيان لم تكن المشكلة في الجالس بالبيت الابيض بقدر ما هي مسألة التفاعل والقدرة على تحقيق المصالح، فهناك الكثير من الفرص أهدرت؛ وابرزها ايام الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون الذي استقبل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اكثر من اي زعيم اجنبي آخر لينتهي الامر الى لا شىء، في حين ان فرصة الاتفاق كانت قاب قوسين، ولتأتي بعده الادارة الجمهورية في بدايتها، وهي خائفة من التعامل مع هذا الملف خشية الفشل بعد كل ما قامت به سابقتها.

وفي الانتخابات الحالية أيا كان مزاج المنطقة او المرشح الذي سيفوز أوباما أو ماكين، فإن المنطقة عليها ان تتعامل مع الرئيس الجديد وتتكيف معه، وتحاول كما تفعل بقية دول ومناطق العالم تأمين مصالحها بالدبلوماسية وأدوات العلاقات الخارجية المعروفة.