التزوير على الرحمة

TT

يعجب البعض حين يقرأ بيانا رمي فوق مائة جثة في بغداد، يقول إن النسف قد تم لتحقيق «عدالة الله»، أو أن كل بيان صدر إثر كل مجزرة يبدأ بالبسملة «للرحمن الرحيم» وينتهي بالحمد لله. وقد كان هذا أسلوب ودأب الهمجيات المسيحية في القرون الوسطى. وقد حدد المؤرخ بترارك، الذي كان أول من استخدم المصطلح، «القرون الوسطى» بالقرون الواقعة بين الخامس والعاشر، لكن ظلامها استمر إلى ما أبعد من ذلك قرونا عديدة. أعتقد أن تلك القرون الدامسة خيمت أكثر ما خيمت على آيرلندا أيام الطاغية الإنجليزي كرومويل، منتصف القرن السابع عشر، وكان كرومويل يسحق المدن ويبيد السكان ويوسع المقابر ويقتل جميع قسسها من الكاثوليك ثم ينسب كل ذلك إلى «رحمة» الله، وليس إلى أي صفة أخرى من صفات الخالق. وبعد إبادته الأولى لمدينة دروغيدا قال «أرجو أن تنسب القلوب الطاهرة هذا المجد إلى الله الذي يعود إليه الفضل في هذه الرحمة حقا». وبعد ذلك استمر في الحملة الايرلندية وأسقط مدينة أوكسفورد وأعلن بعد تدميرها «أن الله، في عدله القويم، قد أنزل بهم حكما عادلا.. إذ كفروا بدمائهم عن أعمال القسوة الوحشية التي اقترفوها ضد حياة الكثيرين من البروتستانت المساكين».

وأنعم كرومويل على الايرلنديين بحق واحد هو حق الهجرة. وصادر جميع أراضيهم بموجب «قانون التسوية» وحولها إلى جنوده ومناصريه. وتم شحن آلاف الأسر إلى أوروبا ومنطقة الكاريبي. ويقول المؤرخون إنه بين 1641 و1652 هلك نحو 616 ألف ايرلندي من أصل 144.66.000، بالحرب أو الجوع أو الطاعون. وكتب أحد الضباط الإنجليز «قد يسير المرء في بعض المقاطعات عشرين أو ثلاثين ميلا دون أن يجد كائنا حيا، إنسانا أو حيوانا أو طائرا، وكتب ضابط آخر «إن الشمس لم تشرق أبدا على أمة أشد تعاسة من هذه».

وكانت فرنسا في الفترة نفسها تقريبا قد اضطهدت البروتستانت من أبنائها بالوحشية نفسها. وقال مؤرخ فرنسي «لقد أذن للجنود أن يقترفوا كل جريمة إلا القتل. فكانوا يكرهون جماعة الهوغونو على الرقص حتى يدركهم الإعياء، ويقذفون بهم في البطاطين إلى أعلى، ويصبون الماء المغلي في حلوقهم، ويضربون بطون أقدامهم، وينتفون لحاهم، ويحرقون أذرعتهم وسيقانهم بلهيب الشموع، ويكرهونهم على القبض على الجمر بأيديهم، ويلزمون النساء بالوقوف عرايا في الطرق أمام هزء المارة وإهاناتهم. وقد أمسكوا أما مرضعا إلى عمود سرير وأمسكوا برضيعها بعيدا عنها وهو يصرخ في طلب ثديها، فلما فتحت فاها لتتوسل إليهم بصقوا فيه؟