ما بعد الرأسمالية

TT

العالم مدين للرأسمالية بالكثير من منجزاته الرائعة. يعود الفضل فيها لحد كبير الى غرس روح الكسب في النفوس وحرية العمل في الاسواق. يعني ذلك أولا وآخرا الجري وراء الفلوس، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. إنها عبادة المال. توطنت هذه العبادة بصورة خاصة في الولايات المتحدة حيث اصبح كل شيء يقاس بالمال وما استطعت ان تكدس منه. ووصل الأمر أوجه في عهد ريغان ومرغريت ثاتشر. صفق القوم للثاتشرية واعتبروها فتحا اقتصاديا رائعا. لا يفكر الاقتصاديون بغير الأرقام ولم يفهموا البعد الروحي والأخلاقي لهذه العبادة.

العالم الغربي يدفع الآن ثمن روح الجشع وهستيريا الكسب والإثراء الجامح. تضمن ذلك شيوع الفساد حتى بين الساسة ورؤساء الحكومات. وفي هذا العصر، الذي وصلت فيه حركة تحرر المرأة اوجها، عمدت الكثير من الحسان الى استثمار تحررهن في المتاجرة بأجسامهن من أجل الكسب. تجد صورهن المغرية والخلاعية على واجهات شتى الصحف. قبل بضعة ايام، نشرت «الغارديان» دراسة ميدانية في بريطانيا كشفت ان واحدا من كل اربعة رجال، وواحدة من كل عشر نساء، على استعداد للزنى من اجل الترقية في وظيفتهم، وواحدا من كل ثلاثة اشخاص (ذكورا ونساء) مستعدون للزنى مقابل أجر، وهو أمر يذكرني بجواب الليدي استر عندما سألها برناردشو: «ليدي استر، أأنت مستعدة لمضاجعتي اذا دفعت لك عشرة باوندات؟» صرخت في وجهه: «ما هذه الوقاحة، ارجوك؟» عاد فسألها «ولكن هل انت مستعدة لذلك اذا دفعت لك مائة الف باوند؟» اجابته فقالت «هذا موضوع يتطلب بعض التفكير. دعني افكر بذلك». قال لها: «حسنا.. لقد اتفقنا على المبدأ. بقي علينا ان نتفق على السعر!»

لم يكن شيوع الفساد النتيجة الوحيدة لعبادة المال، فقد أدت بعين الوقت الى غرس الروح الاستهلاكية العبثية، وبالتالي تلوث البيئة وتدهور مستوى الفنون، وتعاظم الهوة بين الاغنياء والفقراء، واتساع تجارة المخدرات والرقيق الابيض وغسل الاموال، وشيوع الشك في العملية الديمقراطية وانصراف الكثيرين عن الاقتراع والتوجه نحو الإجرام واللاشرعية واختراق القانون والتهرب من الضرائب. إذا كان سادة القوم وسيداتهم يفسدون في الارض بهذا الشكل، فما الداعي لاحترام أي شيء؟

إننا في الأيام الاولى من هذه الأزمة العالمية. ومع ذلك وفي هذه الايام الاولى راح المعلقون يتساءلون: هل نحن على قمة بركان او برميل بارود على وشك الانفجار؟ هل وصل النظام الرأسمالي نهايته؟

لكل شيء على هذه الكرة الارضية بداية ونهاية. ولكل شيء مساره، صعوده وتألقه ثم أفوله وزواله. أبدعت الرأسمالية في إنتاج هذه الحضارة المذهلة ولكنها بدأت تتآكل وتتحول الى عفونة في جريها الأعمى وراء المال والمزيد من المال. إنها مسألة وقت قبل أن نرى نظاما جديدا يقوم ويأتي بقيم جديدة تضع الإنسان محل الدولار.

www.kishtainiat.blogspot.com