أوباما.. هل يفلح؟

TT

باراك أوباما ليس مارتن لوثر كينغ، الذي ألهم حركة الحقوق المدنية الأميركية وحرك ضمير العالم، ولا هو أندرو يونغ، أول سفير أسود لأميركا في الأمم المتحدة الذي خرج من رحم حركة الحقوق المدنية، ولا هو أيضا جيسي جاكسون، الذي كان إلى جانب مارتن لوثر كينغ في مسيرات النضال ضد العنصرية، وكافح مرارا وتكرارا من أجل شق طريق السود في الساحة السياسية الأميركية بالترشح للرئاسة مرات ومرات، وبتشكيل ما أطلق عليه «تحالف قوس قزح».. فهؤلاء وغيرهم مثل كوندوليزا رايس شقوا طريقا صعبا وعاشوا حياة قاسية ذاقوا فيها معنى التفرقة وطعم الاضطهاد، ولأنهم نحتوا في صخر العنصرية فقد أسهموا في تعبيد الطريق الذي سار عليه باراك أوباما ليصل إلى «حلم» الفوز بالرئاسة الأميركية.

أوباما سياسي شاب طموح وميكيافيلي عاش حياة ليست كحياة غالبية السود في أميركا، بل إنه قضى الكثير من سنوات حياته في بيت أبيض تحت كنف جدة «كانت تخاف وهي تمشي في الشارع من السود»، كما قال هو بنفسه عن تجربته وحياته بين بيت أبيض وواقع أسود. عرف أوباما كيف يقتنص الفرصة ويتحين اللحظة ليخوض حملة انتخابية ألهمت الكثيرين، وخدمته الكثير من الظروف، وتجمعت أصوات الشباب والنساء والكثير من البيض لتحمله إلى البيت الأبيض. من هذا المنطلق فإن أوباما يستحق إشادة بجرأته التي جعلته يتحدى عوامل كثيرة كانت ستحبط طموح كثيرين، ليخوض معركة انتخابية أجمع النقاد على أنها كانت واحدة من أنجح الحملات الانتخابية وأكثرها انضباطا وفعالية. كما أن السياسي الشاب نجح في قراءة اللحظة المناسبة وفي توظيف كل الظروف المتاحة لكي يتغلب على ماكينتين انتخابيتين قويتين في طريقه إلى البيت الأبيض، الأولى ماكينة آل كلينتون في الحملات التمهيدية، والثانية ماكينة الحزب الجمهوري.

بعد الفوز الذي تحقق يبرز السؤال: ماذا بعد؟

هناك قراءتان للإنجاز التاريخي الذي تحقق أمس؛ القراءة الأولى هي التي تمثلت في مشاعر فرح واسع عمت أميركا والكثير من أرجاء العالم بما تحقق، وبالخطوة التي لم تعط أملا فقط للسود في أميركا بل ألهمت الكثيرين في مختلف أنحاء العالم. وهذه قراءة عاطفية وقتية ستخضع لامتحان التجربة العملية.

القراءة الثانية أن أميركا بانتخابها لأول رئيس أسود في تاريخها، بل في العالم الغربي كله، استعادت بريق شعاراتها في القيم الأخلاقية وفي أنها البلد الذي يمكن لأي إنسان أن يحقق فيه أحلامه وطموحه بالعمل الشاق. وبمقدور أميركا الآن أن تعيد تلميع صورتها التي اهتزت كثيرا خلال السنوات الماضية، بما أفقدها مصداقيتها وقيادتها الأخلاقية. وعلى عاتق أوباما ستقع مسؤولية كبيرة في المرحلة المقبلة ليحافظ على قوة الدفع التي تحققت من فوزه، وليوظف كل طاقات الذين ألهمهم هذا الإنجاز الأميركي. فإذا نجح في تبني سياسات وشعارات جريئة وخلاقة، وواجه المشاكل المستعصية بنفس الإحساس الملهم لإصلاح الأخطاء التاريخية، ورفع الظلم الذي جعل الناخبين يلتفون حوله، وبروح استنهاض الهمم لمواجهة المشاكل والأزمات التي جعلت العالم يرحب بفوزه بحماس مذهل، فإنه سيصبح قيادة ملهمة لا لأميركا وحدها بل للعالم كله. أما إذا أضاع الفرصة فإن الحكم عليه سيكون قاسيا بحجم الآمال والتطلعات التي رسمت عليه وعلى فوزه التاريخي.

[email protected]