إنجاز مهمتنا

TT

حان الوقت في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2008، بعد الساعة 11 مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة، لتنتهي الحرب الأهلية الأميركية بفوز رجل أسود، هو باراك حسين أوباما، بعددٍ كافٍ من أصوات المجمع الانتخابي ليكون رئيسا للولايات المتحدة.

وبذلك وضعت الحرب التي بدأت في بول رن بولاية فيرجينيا في 21 يوليو (تموز) عام 1861، أوزارها بعد 147 عاما من خلال صناديق الاقتراع في نفس الولاية. ولا يوجد ما يستحق أن يكون رمزا للفصل الأخير في الحرب الأهلية الأميركية أكثر من تصويت ولاية فيرجينيا، وهي الولاية التي كانت تعزز العبودية وأضفى عليها انسحابها من الاتحاد عام 1861 ثقلا استراتيجيا وقيادة عامة، لصالح الديمقراطيين، لتؤكد بذلك أن باراك أوباما أصبح الرئيس رقم 44 للولايات المتحدة.

كانت هذه اللحظة ضرورية، فعلى الرغم من مرور قرن من تطبيق تشريع الحقوق المدنية، والتدخلات القضائية والنشاط الاجتماعي، وعلى الرغم من قضية براون ضد مجلس التعليم وخطاب مارتن لوثر كينغ القوي تحت عنوان «لديَّ حلم» وقانون الحقوق المدنية عام 1964، لم يكن ممكناً إعلان انتهاء الحرب الأهلية حتى انتخبت أغلبية البيض الأميركيين بالفعل رجلا أميركيا من أصول افريقية رئيساً للبلاد.

هذا ما حدث ليلة الثلاثاء، ولذا استيقظنا هذا الصباح لنشهد مولد وطن مختلف. لقد انتهى الصراع من أجل المساواة في الحقوق، ولكننا نبدأ الآن من قاعدة أساسية جديدة تماما، فليؤمن كل طفل وكل مواطن وكل مهاجر جديد بأن كل شيء يمكن إنجازه بالفعل في أميركا.

لكن كيف نجح أوباما في أن ينتزع هذا الفوز؟ مما لا شك فيه، تطلب الأمر أزمة اقتصادية تحدث مرة في القرن من أجل حشد عددٍ كافٍ من البيض ليصوتوا لرجل أسود. ومما لا شك فيه أيضا لعب تنظيم أوباما الجيد وأسلوبه الهادئ وحديثه السلس ورسالته المشجعة من أجل «التغيير» لصالحه جيدا. ولكن ربما كان هناك أيضا «تأثير بافت» الذي يعارض «تأثير برادلي» المفترض، الذي يقتضي بأن يقول الناخبون إنهم سيمنحون أصواتهم لأوباما ولكنهم يصوتون لصالح المرشح الأبيض. أما «تأثير بافت» فهو العكس تماما، حيث قال المحافظون البيض لأصدقائهم في مطعم الشواء في نادي البلدة إنهم سيصوتون لصالح جون ماكين، ولكنهم ذهبوا إلى صناديق الاقتراع وانتخبوا أوباما، رغم إدراكهم أن ذلك يعني زيادة الضرائب.

لماذا؟ قام البعض بذلك لأنهم شعروا بمدى التأثر والتفاؤل الذي أصبح عليه أبناؤهم حيال وصول أوباما لمنصب الرئيس، ولم يريدوا أن يحطموا هذه الآمال، بل رغبوا في مشاركتهم فيها سراً. تبنّى آخرون بحدسهم وجهة نظر وارين بافت بأنه إذا كنت ثريا وناجحا اليوم، فذلك في الأول وقبل كل شي لأنك محظوظ بما فيه الكفاية لأنك ولدت في أميركا في الوقت الحالي، ولا تنس ذلك أبدا. لذا نحتاج أن نعود إلى إصلاح بلادنا، نحتاج إلى رئيس يمكنه توحيد رايتنا من أجل بناء الأمة في الداخل. كما يعرف البعض أيضا أنه بعد الأداء السيئ الذي قدمه فريق بوش، يجب أن تكون هناك تبعات يتحملها الحزب الجمهوري. وقد يعني انتخاب ماكين الآن، بصورة أو بأخرى، مكافأة عدم الكفاءة. وكان ذلك ليتحول إلى استهزاء بمحاسبة الحكومة وإطلاق العنان لموجة من السخرية وعدم الثقة بأميركا.

سيظل أوباما دوما أول رئيس أسود لنا. ولكن هل يكون واحدا من بين رؤسائنا العظام القليلين؟ إنه سيحظى بفرصة كافية لتحقيق ذلك، لأن أعظم رؤسائنا تولوا المنصب الرئاسي في بعض أسوأ الفترات، وفي أحلك الأزمات التي جابهناها.

يقول مايكل ساندل، الفيلسوف السياسي من جامعة هارفارد: «تولي منصب في وقت الأزمات لا يضمن وحده تحقيق العظمة، لكن من الممكن أن تكون هذه فرصة مناسبة لتحقيقها». وكان هذا بالتأكيد ما حدث مع لنكولن وفرانكلين روزفلت وترومان. ولكن كان جزء من عظمة فرانكلين روزفلت يكمن في أنه «وضع فلسفة حكم سياسي جديدة، العهد الجديد، بدلا من الحطام والفوضى السياسية اللذين خلفهما الكساد الاقتصادي». وسيحتاج أوباما أن يفعل شيئاً مشابهاً، ولكن تلك الأشياء تستغرق وقتاً.

يقول ساندل: «لم يخض فرانكلين روزفلت معركة الانتخابات عام 1932 واضعا العهد الجديد في برنامجه الانتخابي، ولكنه كان يعد بتحقيق توازن الميزانية. وكما يفعل أوباما، لم يتول روزفلت المنصب الرئاسي بفلسفة حكم واضحة التفاصيل. وقد وصل إلى خطته في ثقة وروح نشطة وبالتجريب. ولم تكن هناك حملة رئاسية تدور حول العهد الجديد حتى عام 1936. ما هي الخطة المرادفة التي سيضعها أوباما؟ حتى هو لا يعرف، ولكنها ستظهر مع تناوله لقضايا الاقتصاد، والطاقة، ودور أميركا في العالم. إن هذه التحديات كبيرة ولن يفلح في مواجهتها إلا إذا استطاع وضع ملامح سياسة جديدة من أجل الصالح العام».

لم يعتقد بوش وشركاؤه أن الحكومة من الممكن أن تكون وسيلة تعمل لأجل الصالح العام، فحيّدوا وزراءهم وعينوا مبتدئين في المناصب العليا. وبالنسبة لهم كان السعي لتحقيق الصالح العام هو السعي من أجل تحقيق المنفعة الذاتية الفردية. ولكن كان هناك أيضا تمرد على النسخة الديمقراطية التقليدية لمفهوم الصالح العام، وهذا ببساطة تعريف لجميع جماعات المصالح التي كانت تطالب بنصيبها.

يستطرد ساندل: «في الانتخابات الحالية، أعلن الشعب الأميركي رفضه هذه المفاهيم ضيقة الأفق للصالح العام. ويتفق معظمه في الوقت الراهن على أن الأسواق التي تعمل دونما أي قيود لا تخدم المنفعة العامة، فهذه الأسواق توّلد وفرة، لكن يمكنها أيضا أن تتسبب في خلق قدر مفرط من انعدام الأمان والمخاطرة. وحتى قبل التراجع المالي، شهدنا تحولا كبيرا في المخاطرة من الشركات إلى الأفراد. وسيكون على أوباما أن يعيد تكوين الحكومة كوسيلة من أجل تحقيق المصلحة العامة، وأن يخضع الأسواق للقيود، وأن يحمي المواطنين من مخاطر البطالة والأمراض، وأن يستثمر من أجل الاستقلال في مجال الطاقة».

ولكن لا يمكن أن تتعلق السياسة الجديدة فقط بالحكومة والأسواق. يوضح ساندل: «يجب أيضا أن تتعلق بحب الوطن، وما معنى أن تكون مواطنا. هذه هي أعمق نقطة مستها حملة أوباما. وكانت الجملة التي نالت أكبر قدر من التصفيق في خطابه السياسي هي تلك التي قال فيها إن كل أميركي ستتاح له فرصة الالتحاق بالكليات بشرط أن يكون أو تكون قد أدى أو أدت فترة من العمل في الخدمة الوطنية: في الجيش، أو في فيلق السلام، أو في المجتمع. لقد خاطبت حملة أوباما المثالية المدنية الخامدة، وهو ما كان الأميركيون يتوقون إليه من أجل خدمة قضية أكبر من أنفسهم، الاشتياق إلى أن يعودوا مواطنين من جديد».

لن يكون تحقيق أي من ذلك سهلا، ولكن تحدثني نفسي أنه من بين جميع التغيرات التي بشّر بها وصول أوباما إلى مقعد الرئاسة، ربما يكون انفصالنا عن ماضينا العنصري أدناها درجة. فهناك الكثير جداً من الأعمال التي يجب إنجازها. وقد انتهت الحرب الأهلية، فلنبدأ في إعادة البناء.

* خدمة «نيويورك تايمز»