اختبار دوافع الديمقراطيين

TT

في تجربة كلاسيكية بمجال علم النفس حول الإشباع المؤجل، منح الباحثون قطع حلوى لأطفال في الرابعة من عمرهم، ثم وعدوهم بمنحهم المزيد من الحلوى حال امتناعهم لمدة عشرين دقيقة عن تناول القطعة التي حصلوا عليها بالفعل. وقد تمكن بعض الأطفال بالفعل من القيام بذلك، بينما عجز آخرون. وبعد عدة سنوات، بات لدى الأطفال أنفسهم قدرة أفضل على السيطرة على دوافعهم وحققوا نتائج أفضل في الاختبار.

والآن، نحن على وشك إجراء هذه التجربة مجدداً، لكن مع استبدال الأطفال بأعضاء الحزب الديمقراطي. وسيتعين على باراك أوباما التكيف مع الضغوط الشديدة من جانب حزبه كي يشرع في العمل، فبعد قضاء ثماني سنوات بعيداً عن البيت الأبيض، ومرور عامين وجدت خلالهما الأغلبية الديمقراطية داخل الكونغرس نفسها عاجزة عن الوفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها، لا تبدي العناصر اليسارية داخل حزبه أي استعدادا لتقديم تنازلات أو إظهار قدر من الصبر. وفي الواقع، فإن هناك ما يبرر هذه العجلة التي يبدونها، حيث أن الرئيس الجديد لا تتوافر أمامه سوى فترة زمنية محدودة كي يُطلق مبادرات كبرى إذا ما أمل في معاينة تحققها على أرض الواقع بنفسه.

بيد أن التجربة التي مر بها بيل كلينتون خلال الشهور الأولى الصعبة من فترة رئاسته، والتي شهدت إثارة قضايا كبرى مثل السماح بالتحاق الشواذ جنسياً بالمؤسسة العسكرية، وإقرار ضريبة ضخمة على استهلاك الطاقة على أساس الوحدة الحرارية البريطانية، تكشف الثمن السياسي الباهظ المترتب على ممارسة الحكم بأسلوب يميل، أو يبدو وكأنه يميل، باتجاه اليسار. وينطوي هذا الأمر على مخاطر هائلة بالنسبة لأوباما على وجه الخصوص، حيث عمد خصومه لتصويره باعتباره يساريا متطرفا، إلا أن الجيد في الأمر أن مستشاريه مدركون تماماً، على ما يبدو، لهذا الفخ وعازمون على عدم السقوط فيه. إضافة إلى ذلك، هناك أسباب أخرى تدعو للشعور بالتفاؤل إزاء احتمالات أن ينجح الديمقراطيون في تجنب الإفراط في ردة فعلهم حال تسلمهم مقاليد السلطة بالبلاد، منها أنه بالنسبة للقيادة الحالية للكونغرس، لا تزال الذكريات المؤلمة لفقدان السيطرة عام 1994 حية في الأذهان. وفي الواقع، عندما تولى بيل كلينتون الرئاسة، بدا كأنه من المستحيل أن يفقد الديمقراطيون سيطرتهم على مجلس النواب، والآن، تعمل العناصر الديمقراطية المحافظة كقوة موازنة إضافية.

وفي الوقت الذي أدت أغلبية الـ43% التي حصل عليها كلينتون إلى جعله يبدو ضعيفاً أمام الكونغرس، فإن الأغلبية التي حصل عليها أوباما تضعه في موقف أقوى يمكنه من مقاومة المطالب التي يمليها عليه الكونغرس.

وفي الوقت ذاته، سيتعين على الرئيس الجديد تقديم بعض الأدلة لإثبات قدرته على إحداث التغيير الذي وعد به. ومن الممكن تحقيق جزء من ذلك من خلال التعامل مع القضايا الأسهل، فعلى سبيل المثال، بمقدور أوباما إلغاء قرار الرئيس بوش الذي يحظر توجيه تمويل فيدرالي للأبحاث المعتمدة على الخلايا الجذعية الخاصة بالأجنة والموافقة على القرار الذي سبق أن رفضه بوش بتوسيع نطاق برنامج التأمين الصحي للأطفال وإقرار قانون الرواتب المتكافئة بحيث يتم بذلك إلغاء حكم المحكمة العليا في قضية ليلي ليدبتر.

وفيما يتعلق بالطاقة، التي باتت تستحوذ على اهتمام بالغ بشكل متزايد، بإمكان الإدارة الجديدة إلغاء قرار وكالة الحماية البيئية بحرمان كاليفورنيا من القدرة على تنظيم انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من السيارات والشاحنات. وتتجلى المفارقة في أن الأزمة الاقتصادية الراهنة ربما تمنح أوباما مرونة مالية أكبر لإنفاق الأموال على المشروعات التي يراها ملائمة. كما أن قرارات التعيين التي سيتخذها أوباما ستبعث بإشارات مبكرة مهمة. ومن المتوقع تعيين جمهوري واحد على الأقل بوزارة الخارجية أو الدفاع، كمؤشر على أن الحديث حول انفتاح إدارة أوباما على الحزب الرئيسي الآخر بالبلاد لم يكن مجرد دعاية. علاوة على ذلك، تعهد أوباما بإغلاق منشأة الاحتجاز المقامة في معسكر غوانتانامو ـ لكن لن يكون من السهل قط تحديد الإجراءات التي سيتم اتخاذها حيال المحتجزين الباقين.

من ناحيتها، ترغب المنظمات المعنية بحقوق المرأة في أن يرفع أوباما ـ مثلما فعل كلينتون ـ الحظر المفروض على توجيه تمويل فيدرالي للمنظمات الدولية المعنية بتنظيم الأسرة والتي تمارس أو تشجع الإجهاض. أما النشطاء المعنيون بحقوق الشواذ جنسياً فيرغبون في إنهاء التمييز ضد الشواذ داخل المؤسسة العسكرية، والتوقيع على قانون فيدرالي يحظر التمييز بمجال التوظيف بناءً على الميول الجنسية.

وبذلك يتضح أننا سنشهد في الفترة المقبلة مطالب كبيرة للحصول على الحلوى، وستلعب قدرة أوباما على المقاومة عاملاً جوهرياً في إنجاح فترة رئاسته.

*خدمة: «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»