فاز أوباما.. نجحت أمريكا

TT

بفوز باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية كأول رئيس أسود وابن مهاجر كيني، تكون أمريكا قد صنعت حدثا تاريخيا، وتكون قد قدمت آخر إعلان حسن نيات لأقلياتها وللسود والملونين فيها تحديدا. وتكون قد قالت لكل من يتهمها بالعنصرية بأن ذلك عصر قد ولى، وبأن أمريكا ليست بأكثر عنصرية عرقية من غيرها في العالم ولديها الدليل لإثبات ذلك ـ رئيس أسود في البيت الأبيض.

وبفوز أوباما، جددت أمريكا عهدها «بالحلم الأمريكي» الذي يعطي الفرص المتساوية لكل من يبذل جهده فيها ممن يهاجرون إليها، الحلم الأمريكي الذي يمنحك الفرصة لتستنهض قدراتك الذاتية في الإبداع والعمل والاختراع. وبانتخاب أوباما تكون أمريكا قد ترجمت مبادئ دستورها الذي لا يفرق بين مواطنيها على أية أسس عرقية أو دينية.

جسد أوباما الحلم الأمريكي كابن امرأة بيضاء ورجل أفريقي من كينيا، افترقا وهو طفل صغير ليربيه زوج أمه في إندونيسيا، ويمر بمراهقة عاصفة لا تخلو من السلوكيات المنحرفة، لكنه تجاوزها ليتخرج محام من أعرق الجامعات في العالم ـ هارفرد، وليواصل طموحه ضمن قواعد لعبة الديمقراطية الأمريكية.

بانتخاب أوباما رئيسا، لم يعد لأي ملون عذر بأن العنصرية حالت بينه وبين النجاح والعيش الكريم، لأن غالبية الأصوات التي حصل عليها أوباما جاءت من البيض، فبإمكان الإنسان هناك أن ينجح إذا ما أخلص وثابر، وبإمكان الإنسان هناك أن يصل لأعلى المراتب إذا ما اجتهد وناضل ونفض عنه عقد الماضي وحجج العنصرية البغيضة. صحيح أن أمريكا ليست بالمدينة الفاضلة، لكن الأصح أن غالبية ناخبيها ـ البيض ـ صوتوا لأوباما متجاوزين لون بشرته.

انتخاب أوباما يعيد الأمل بأهمية تشكيل لوبي انتخابي عربي ضاغط في الولايات المتحدة يمكنه أن يشكل صوتا لبعض قضايانا المصيرية، وإن كنت أشك في ذلك في الوقت الحاضر بسبب التناحر الذي تعيشه الجاليات العربية والمسلمة هناك انعكاسا للتناحر الذي تعيشه دولهم العربية. لكن المعادلة بعد انتخاب أوباما واضحة: من جد وجد، ومن زرع حصد.

لم تكن الانتخابات بالنسبة لنا في عالمنا العربي العتيد كأية انتخابات أمريكية سابقة، في الانتخابات الأمريكية السابقة كانت التعليقات شبه واحدة: «لا فرق بين هذا وذاك». أما هذه المرة فقد انحزنا بكثافة لباراك أوباما، انحزنا لأننا نكره جورج بوش، وانحزنا لأن أوباما أقرب إلى لوننا من ماكين، وانحزنا لأننا لا نستطيع أن ننحاز في دولنا لمرشح رئاسي في مواجهة مرشح منافس. المرشح في «الديمقراطيات» العربية واحد فقط، والنتيجة معروفة سلفا ونسبة الفوز تقترب من المائة في المائة إلا قليلا.

وانحزنا لأن أب أوباما اسمه «حسين» وهنا مربط الفرس، متناسين أن اسم والد صدام كان «حسين» أيضا، وكلنا نعرف ما جره صدام على العرب والمسلمين من ويلات وبلاء بدون أن يمنعه اسم والده من ارتكاب فظائعه.

صوت الأمريكيون ضد بوش، فلم ينتخبوا ماكين، ففوز أوباما رسالة أمريكية خالصة مفادها أنها ملت من مرحلة بوش وبأنها تريد التغيير الذي يمكن أن يساعدهم على تجاوز الأزمة المالية الحادة التي عصفت باقتصادهم.

التركة التي ورثها أوباما ثقيلة، جبهتان حربيتان ساخنتان في العراق وأفغانستان، وجبهة داخلية لا تقل سخونة عنهما هي أزمة مالية لم تمر بها البلاد منذ قرن من الزمان تقريبا. والتوقعات والآمال المعقودة على الرئيس الجديد كبيرة، وربما أكبر مما يمكنه تحقيقه.

بانتخاب أوباما، تصالحت أمريكا مع نفسها، وطوت صفحة بغيضة من ماضيها، وعادت الروح لأحلامها الجميلة، ولكن «كان الله في عون أوباما»، فقد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة!