دروس في الذوق السليم

TT

كنت وما زلت على مدار أعوام طويلة من عمري (غير المديد)، كنت وما زلت أطمح إلى أن أكون صاحب (ذوق سليم)، غير أن الذوق كان في واد وأنا في واد آخر، إلى أن عثرت أخيراً على بغيتي في كتاب (جلال الدين السيوطي)، فآثرت أن أشركك معي يا عزيزي القارئ، فعل وعسى أن نستفيد من تشخيصه.

وهو يقول عن صاحب الذوق السليم: «إنه لا بد وأن يكون مزاجه مستقيما، يتخذ التواضع سنة، والعطاء من غير منة، كريم طروب، قليل العيوب وكثير المزاح، صاحب للأصحاب وحبيب للأحباب، كيِّس لطيف ولكن ليس بكثيف، كما أنه إذا دعت الحاجة يواسيك ويسليك وزيادة على ذلك هو يتوجع إليك.

وعكسه تماماً (المسلوب الذوق الأحمق)، فعقله ممزق، وعيناه تتبحلق، يعيط ويبقبق ولزوجته يطلق، إن مدحته ازدراك وإن تركته عاداك، ولو أنك فرشت له خدك بالأرض لداس عليه معتبراً ذلك فرضا، ورغم أنه غلطان فهو ما زال يظن أنه سلطان».

وقد توقفت ملياً عند وصفه للرجل (النذل) من الناس، (فكله عندي ولا النذالة)، لأنني كلما حاولت أن أهرب من تلك الصفة أراها تلحقني وتتلبسني رغماً عني، لهذا أصبحت مع الأيام متخصصاً بل مرجعاً في هذا المجال الحيوي.

والنذل يا سيدي القارئ هو ما كان: قليل الوفاء، مصفوع القفا، مندفعا مع كل خيل مغيرة، قليل الأدب، كثير الضحك بلا عجب، كما أنه كثير النوم وقليل الهمة بين القوم، وفوق ذلك كله هو كثير اللجاجة والبجاحة، ويعرقل ويعرقب لكل سائر في الطريق، ويزيد دائماً الطين بلة.

ونأتي لوصف السيوطي للمرأة أو الفتاة صاحبة (الذوق السليم) من النساء، فيقول:

«ليست صخابة ولا كذابة، جفونها وسنة وألفاظها حسنة، شفوقة رفيقة، كيَِّسة ظريفة، إنها لطيفة نظيفة، قليلة الصدود ناعمة الخدود» ـ وأزيد من عندي هي: التي تمشي كذلك على (حبة ونص).

ولا أكذب عليكم أنني بعد أن قرأت هذا الوصف للمرأة، توجهت لا شعورياً للقبلة ودعوت الله من أعماق فؤادي الشغوف، أن يجمعني بمثل هذا النموذج في جنات النعيم، إنه سميع مجيب.

أما (مسلوبة الذوق) من النساء، فهي الموت (والشق والبعج)، إنها:

«الصخابة السخاطة، الحمرية الشرواطة، الحرفوشة العياطة، التي لا يصطلى لها بنار لأنها من الأشرار، لأنها تتمحنس وتغير، وزوجها المسكين يكون دائماً تحت إبطها كالأسير، نحسها معروف ولو أنفق عليها الألوف، حالها ملتوف، وهي لا تشبع حتى لو ذبح لها كل يوم خروف».

طبعاً مثل هذه المرأة لو كان الأمر بيدي لتقمصت رأساً شخصية (قراقوش) ولحكمت عليها أن تقف على ساق واحدة تحت الشمس الحارقة في منتصف شهر (أغسطس) طوال النهار، وان تنام في العراء في منتصف شهر (يناير) دون أي لحاف، وان أفاجئها وأفجعها في الظلام الحالك مرتدياً ملابس (دراكولا).

ـ وتفسيراً لبعض الكلمات: فالسخاطة هي كثيرة السخط، والحمرية هي التي يحمر وجهها عند الغضب، والشرواطة هي كثيرة الشروط، والحرفوشة هي كثيرة العراك، والتي تتمحنس هي التي يصاحبها النحس دائماً، والعياطة هي كثيرة الصياح واللجاجة ـ

أجارنا الله منها، وأبعدها عن ديار المسلمين، آمين يا رب العالمين.

[email protected]