مغامرون في جزيرة العرب

TT

خمسة قرون من المغامرة والعلم قام بها عدد من العلماء والمغامرين الغربيين مبكرا لاكتشاف جزيرة العرب، ورغم تعدد أغراضهم إلا أن نتائج تلك الرحلات كانت ذات قيمة علمية مهمة، ومن هؤلاء العلماء والرحالة والمغامرين: البولوني (لويس فارتيما)، والهولندي (فان دون بروكه)، والإنجليزي (جوزف بيتس دكستير)، والدانماركي (نيبور)، والألماني (ستيزن) وغيرهم. وحكايات هؤلاء التي يضمها كتاب «اكتشاف جزيرة العرب» تأليف جاكلين بيرين، وترجمة قدري قلعجي مثيرة إلى درجة الدهشة؛ فالإنجليزي (دكستير) الذي قدم إلى مكة المكرمة في نهايات القرن السابع عشر كان قد اختطف من قبل قرصان جزائري سنة 1678 وهو ما يزال في الخامسة عشرة من عمره، ثم باعه إلى ضابط من الخيالة قرر أن يجعل منه مسلما، فاصطحبه إلى الأماكن المقدسة بعد ذلك، وهناك اعتقه من الرق، ليتمكن دكستير بعد عناء من العودة إلى بلاده ونشر قصته في عام 1704 وهو من أبرز من وصف قوافل الحجاج ولباس الإحرام والمشاعر الدينية التي تسكن نفوس الحجاج.

وهناك الرحالة (لودفيكو فارتيما) الذي عانى من السجن والتعذيب والإهانات ليقدم للثقافة الأوربية بعد ذلك معلومات مهمة وثرية عن المنطقة كانوا يجهلونها تماما، فلقد بدأ فارتيما رحلته الشهيرة من البندقية سنة 1503 إلى القاهرة، ثم بيروت، فطرابلس، فحلب، فدمشق الذي تعلم فيها العربية، ثم المدينة المنورة فمكة المكرمة فجدة ثم جيزان، التي عد في مينائها خمسا وأربعين سفينة، وأدهشه أن بالبلدة عنبا وسفرجلا وتفاحا ورمانا وليمونا وبرتقالا وكميات وافرة من اللحم والحنطة والشعير والذرة البيضاء التي يصنع منها الأهالي خبزا ممتازا، ومن جيزان إلى عدن التي قبض عليه فيها بتهمة أنه نصراني يتجسس لحساب البرتغاليين، وسيق في اليوم نفسه إلى قصر السلطان كي يعدم، ولكن تأخر تنفيذ الإعدام به لغياب السلطان فقبع في السجن طويلا، قبل أن يتمكن مجددا من نيل حريته ومواصلة رحلاته إلى عدد من المدن اليمنية، قبل أن يغادر إلى الهند ومنها إلى أوربا.

في كتاب «اكتشاف جزيرة العرب» قصة مدهشة خلف كل رحالة مغامر، وهو في كل الأحوال كتاب لا يملك القارئ إلا أن يحتفظ به لفترة طويلة قريبا منه، وهو يتأمل صورة ماضي منطقته في تلك العيون الغربية، آخذا في الاعتبار تباينات الزيف والإنصاف في كتاباتهم.

[email protected]