العرب والشرق الأوسط

TT

خلال السنوات القليلة الماضية بدأ اعتبار مجموعة الدول العربية ككتلة إقليمية محددة يختفي تدريجياً ليحل محلها أو تذوب في منطقة أكبر تسمى الشرق الأوسط، وبدأ مصطلح العالم العربي أو مجموعة جامعة الدول العربية يختفي من البيانات والتقارير والتصــــريحات التي تنشر في العالم بما في ذلك تصريحات المسؤولين العرب ليحل محله مصطلح الشرق الأوسط.

لا شك أن للعالم العربي صلات قوية جغرافية واجتماعية وأمنية مع الدول التي تدخل في مصطلح الشرق الأوسط، أهمها رابطة الإسلام التي تضع شعوب هذه المنطقة في إطار واحد يحدد نظرتهم لأنفسهم وللعالم من حولهم، ولكن هذه الرابطة ليست مقتصرة على دول الشرق الأوسط لأنها تمتد إلى دول أخرى في العالم، ولو شاع استخدام تعبير العالم الإسلامي بدلا من الدول العربية لكان ذلك ذا مغزى مقبول ولكن ذلك لم يحصل، بل إن جهات عالمية متعددة تتجنب استخدامه وبدلا من ذلك فقد جرى تقسيم مجموعة الدول العربية إلى مجموعتين أدخلت المجموعة الشرقية والوسطى منها مع دول آسيوية أخرى تمتد حتى أفغانستان والدول المجاورة لها ولم تعترض الدول العربية رغم أن ذلك يتعارض مع مصالحها وأهدافها.

إن العالم العربي يطل جغرافيا على البحر المتوسط الذي يمثل الباب الخلفي لأوروبا التي تمثل قلب العالم الغربي ويقف بينها وبين قارة أفريقيا التي تمثل تحديا كبيرا لمستقبل العالم، وإذا قسم العالم العربي إلى شرق أوسط وشمال أفريقيا فإن ذلك لا يعكس وضعه الجغرافي الفعلي ويقلل من أهميته الجغرافية كحلقة وصل بين الغرب والشرق. كما أن الجزء الشمالي من الشرق الأوســـط وهو تركيا تريد أن تتجـــه غـــرباً إلى أوروبا وترتبط بها، أما باكستان وأفغانستان فهما، وإن كانتا دولتين إسلاميتين عزيزتين على العرب، فإن موقعهما الجغرافي وثقافتهما الاجتماعية يجعلهما جزءاً من القارة الهندية وما حولها من غرب آسيا. أما إيران فقد كانت علاقتها مع العالم العربي على مدى التـــاريخ علاقة جوار ولكن لكل منهما ثقافته ومصالحه المختلفـــة عـــن الأخرى.

إن العالم يتجه بسرعة إلى تعدد مراكز القوى الرئيسية ولن تمر فترة طويلة قبل أن نرى أن التعامل في القضايا الأساسية للعالم يسير حسب خطوط تعكس هذه المراكز المتعددة.

وإذا استمر اندماج العالم العربي في منطقة الشرق الأوسط فسوف لا تستطيع الدول العربية أن تحدد نفسها ومكانتها كمنطقة ذات مركز حيوي من الخليج إلى المحيط وسوف تؤثر مشاكل الأجزاء الأخرى من الشرق الأوسط كما هي الآن على أهمية مشاكل العالم العربي وتقلل من أهميتها ومن مقدرة العرب على التعامل مع الكتل الأخرى لكسب مصالحه وحل مشاكله. كما ليس من مصلحة الدول العربية أن تدخل ضمن منطقة صراع ربما يتطور ويتسع بين الغرب وروسيا والصين والهند على مناطق غرب ووسط آسيا فليس للعرب قضية سياسية سوى القضية الفلسطينية، وإذا ما عملت الدول العربية على إبراز وضعها كمنطقة عربية فقط فإنها ستكون أقدر على جذب اهتمام العالم حولها لهذه القضية ولاستقرارها ونموها.

إن الموضوع ليس عاطفياً ولا يعكس مجرد مشاعر وطنية ولكنه يمثل مصالح ومستقبلا يستدعي تقييمه وتحليل جوانبه المختلفة ومن ضمن ذلك تأكيد فوائد التكتل بين الدول العربية وإظهار منافعه وهو ما تسعى إليه كل الدول العربيـــة وتعمل على إزالة الخلافات في ما بينها من أجل تحقيقه، كما أنه أمر ذو أهمية قصـــوى يمكن الدول العربية بقدر أكبر من الوضع الحالي من جذب اهتمام مؤسسات التنمية الدولية والدول المانحة للمساعدات في العالم والاستثمارات الأجنبية والعمل على جذب اهتمامها بها.

* وزير المالية السعودي الأسبق