التغيير والحذر في السياسة الخارجية

TT

في الوقت الذي كانت احتمالية فوز أوباما بالرئاسة لا تزال مجرد بريق يتلألأ في عينيه، التقى أوباما زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأسبق، في يوليو (تموز) 2007 كي يطلب منه النصيحة، لكن ليس بشأن القضايا التقليدية المرتبطة بالحملات، وإنما كان يفكر في قضايا أكبر.

وكانت أولى القضايا بالنسبة لأوباما هي: ما الذي يمكن للرئيس الجديد أن ينجزه على صعيد السياسة الخارجية خلال الاثني عشر شهرًا الأولى والتي لا يمكنه تحقيقها بعد ذلك؟ كما كان يود أن يعرف كيف يمكن للرئيس الجديد أن يختار أعضاء فريق الأمن القومي الذي يمكنه التعاطي مع قضايا القرن الحادي والعشرين؟ وقد انبهر بريجينسكي بهذا الأمر كثيرًا، وأصبح، منذ تلك اللحظة، المستشار غير الرسمي لأوباما.

وفي أعقاب الانتصار الذي حققه أوباما يوم الثلاثاء بات لزامًا عليه هو ومستشاريه أن يقضوا جل وقتهم في التفكير في القضايا الدولية، فالمناقشات التي دارت خلال الأيام الماضية مع عدد من أعضاء دائرة المقربين من الرئيس أوضحت الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للإدارة الجديدة.

أول تلك الخطوط هي رغبته في اختيار قائمة الفريق المعاون له بمجال السياسة الخارجية أولا، ثم التحول بعد ذلك إلى جوهر القضايا الخارجية، على عكس ما كان يسود في الماضي، حسبما أشار أحد المستشارين المقربين لدى أوباما، والذي قال: «كان هناك اتجاه في الماضي نحو القيام بأمر اختيار الأفراد ونمط السياسات الذي سيتم إتباعه في آن واحد، وهو ما أدى إلى وقوع الأخطاء». ومن بين التساؤلات الكبرى التي تواجه اوباما أيضاً ما إذا كان سيطلب من بوب غيتس البقاء في منصبه كوزير للدفاع، وهل، حال عدم حدوث ذلك، سيقوم بتعيين أحد قادة الجمهوريين مثل السيناتور ريتشارد لوجر أو السيناتور تشك هاجل كوزير للخارجية. لكن الملاحظ، في كلا الحالتين، أن أوباما يرغب في تشكيل فريق عمل معاون له يضم عناصر من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

وفي الوقت الذي سيقوم أوباما بتشكيل فريقه، ربما يكون لديه من الوقت ليستمع فيه إلى الخبراء الذين يمكن أن يقدموا له المشورة بشأن السياسات الواجب اتباعها، فأوباما، أستاذ القانون السابق، يتميز بالتروي، ولا يرغب في ان يعقد رأيه حتى يسمع جميع الأطراف. ومن المحتمل أن يشكل ذلك الاتجاه إلى الإجماع السمة المميزة لإدارته.

ومن المتوقع أن يقوم باختيار مستشار أمن قومي براجماتي. من ناحيته، أوضح جورجي بي كريغ المحامي بواشنطن المرشح لنيل أحد المناصب الرفيعة: «إنه يرغب في أن يكتشف ما الذي يمكنه أن يقدم نتائج أفضل، وما الذي يدفع بالمصالح الأميركية إلى الأمام.. وإذا ما كانت الدبلوماسية السرية مطلوبة لتحقيق أهدافنا، فإنه سيتبناها بكل تأكيد».

من ناحية أخرى، لن يتدخل أوباما في قرارات إدارة بوش خلال الفترة الانتقالية، ولن يسمح للحكومات الأخرى بتخطي بوش خلال تلك الفترة. ونوه أحد مستشاري أوباما إلى أن الرئيس المنتخب:

«لن يقوم بأي شيء يثير الشعور بأنهم لا يجب عليهم التفاوض مع إدارة بوش». يذكر أن الإصرار على «رئيس واحد خلال تلك الفترة» مهم بشكل خاص في المفاوضات المتعثرة مع العراق حول اتفاقية وضع القوات، والعديد من مساعدي أوباما يحاولون اتخاذ الحيطة بألا يزج العراقيون بهم في المفاوضات، أملاً في التوصل إلى اتفاق أفضل.

علاوة على ذلك، يرغب أوباما في دفع عملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية بالرغم من الفوضى السياسية الموجودة في إسرائيل، فقد تعلم عبر ملاحظته لسابقيه كلينتون وبوش أنه لا ينبغي الانتظار حتى وقت متأخر قبل الاضطلاع بدور الوسيط النشط. وبالمثل، يرغب أوباما في العمل بسرعة لبناء علاقات استراتيجية مع روسيا والصين ليؤكد لكلا الدولتين أن الولايات المتحدة لا تشكل تهديدًا لهما.

وفي الشأن الإيراني، يود أوباما فتح الباب باتجاه عملية التعاون والحوار حتى وإن كان مستشاروه غير متأكدين من نجاحها، إذ يعتقدون أن إيران لا يوجد في قاموس لغتها لفظة «نعم» للحوار، لكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون استكشاف المناطق المحتملة للمصالح المشتركة.

وسيكون أوباما حريصا على الاستماع بعناية بالغة إلى الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة المركزية للقوات الأميركية والقادة العسكريين الآخرين قبل الوصول إلى قرار بشأن العراق وأفغانستان، فمن المقرر أن يقوم بترايوس بتقديم توصياته في شهر يناير (كانون الثاني)، وتوحي المؤشرات الأولى بأنه سيوصي «باستراتيجية زيادة عدد القوات أولا، ثم التفاوض». وهو ما يعني أن زيادة أعداد القوات الأميركية في المدن الأفغانية قبل التفاوض مع العناصر التي تبدي تقبلها للتوصل إلى تسوية من أعضاء طالبان حول كيفية تسوية النزاع، ويؤكد أحد كبار المستشارين أن تلك التسوية تتناسب مع وجهة نظر أوباما حول أفغانستان.

أخيراً، فإن مستشاري أوباما يفكرون في كيفية استغلال صغر سنه والكاريزما التي يتحلى بها وميراثه الأفرو ـ أميركي لتعديل صورة أميركا السيئة في الخارج. وتجري مناقشات بالفعل حول جدول رحلاته الخارجية وما إذا ما كان ينبغي عليه السفر إلى آسيا أولا قبل الذهاب إلى أوروبا لحضور الاحتفال بالعيد الستين لإنشاء الناتو في شهر أبريل (نيسان). ويتساءل أحد كبار مساعدي أوباما حول «كيفية استغلال الزخم الناتج عن هذا الانتصار؟».

ويقول بريجينسكي «أعتقد أنه سيغير المسار، لكنه سيكون حذراً». أما الآن فأعتقد أن عاملين سيحددان السياسة الخارجية لأوباما ألا وهما التغيير والحذر، وأعتقد أن هذين العاملين سيكونان أكثر ترحيباً هنا، بعد سنوات إدارة بوش.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ «الشرق الأوسط«