لا تعارضوا المالكي

TT

طالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بإعادة كتابة دستور العراق بطريقة موضوعية تمنح الحكومة المركزية الصلاحيات، لا الحكومات المحلية، قائلا إن الدستور العراقي «ربما كتب في أجواء كانت فيها مخاوف».

ومن المعروف أن اعتماد الدستور العراقي عام 2005 جوبه بموجة من الانتقادات، داخليا وخارجيا، وقد يكون الخوف الذي تحدث عنه السيد المالكي خوفا مشتركا من العراقيين يعكس انعدام الثقة بين أبناء الشعب الواحد.

لكن مطالبة المالكي بإجراء تعديلات على الدستور العراقي توحي بأن هناك ملامح مواجهة قادمة بين الأكراد وحكومة بغداد، كثيرا ما أجلت. كما أن مطالب المالكي جددت مخاوف من أن يتحول رئيس الوزراء العراقي إلى صدام حسين جديد.

فهل المطلوب الآن معارضة إعادة كتابة الدستور العراقي، بناء على طلب السيد نوري المالكي؟ أعتقد لا. ولكن، وهنا مربط الفرس، لا بد من إعادة النظر في العملية السياسية العراقية برمتها، وتقييمها بشكل كامل، وليس إعادة كتابة الدستور فقط، وذلك لمنع الانقسامات الطائفية، والمحاصصة، وضمان عدم تحول العراق إلى أداة بيد إيران أو غيرها، خصوصا وقد سمعنا قلقا مبررا من احتمال حدوث انقلاب في العراق إثر انسحاب الأميركيين، أو اندلاع حرب أهلية.

أحد أهم الأمور التي يجب إعادة النظر فيها اليوم في العراق، هي مسببات الطائفية المقيتة، وضمان عدم الانطلاق من أهداف آيديولوجية بدلاً من أهداف تخدم الوطن والمواطن العراقي، وأبرز أسباب ذلك الأحزاب السياسية العراقية. فلا يعقل أن يكون عدد محافظات العراق 18 محافظة بينما يصل عدد الأحزاب والكيانات السياسية إلى 401 كيان، حسب قاسم العبودي رئيس الإدارة الانتخابية للمفوضية المستقلة للانتخابات، معظمها ينطلق من مرتكزات دينية متشددة. فهناك الائتلاف الشيعي، والكتل السنية، وفيما يختص بالهوية هناك الكتلة الكردية، ناهيك عن التنظيمات المسلحة، الدينية وغير الدينية.

ولذا فلا بد من إعادة النظر في تركيبة الأحزاب السياسية، وضرورة إعادة تشكيلها على أساس حزبين رئيسيين فقط، وللأفراد الحق بالترشح كمستقلين. حزبان يكونان مبنيين على أساس برامج، لا على عرق أو طائفة، أو بمباركة من مرجع ديني.

حزبان يضمنان تداول السلطة سلما فيما بينهما، في الرئاسة أو البرلمان، ويكون دافعهما هو خدمة العراق والعراقيين لا فئات أو طوائف أو حتى دول جوار.

العراق بحاجة ماسة إلى ترشيد العمل السياسي وبث الوعي والمسؤولية فيه. فما نشاهده في العراق حاليا ما هو إلا خلط للدين بالسلاح، ما يجعل البلد كله مرشحا لحرب أهلية مدمرة، ولا مناص من ذلك إلا إذا انطلق الساسة العراقيون وفق مصالح بلادهم. فالعراق لكل العراقيين لا لأصحاب دين معين، أو طائفة محددة، ولا يجب أن يكون هو بلد الزعيم الأوحد.

وعليه فإن المطلوب اليوم ليس معارضة نوري المالكي، ولكن طرح السؤال الأكبر: أي تغيير الذي يحتاجه العراق، وهل هو في الدستور فقط؟ أعتقد ان التغيير أو التقييم يجب أن يطال العمل السياسي برمته في العراق، وتحديدا الأحزاب السياسية.

[email protected]