القراءة الخاطئة لأوباما.. سياسة وشخصا

TT

تسألني رأيي في باراك أوباما؟ كعربي، لست فرحا ولا مكتئبا. كصحافي متابع لحركة المجتمعات والسياسة، فأنا متفائل بطبعي، لكن علمتني الصحافة ان أمزج التفاؤل بالواقعية. من هنا، فالسؤال ليس ماذا تتوقع من أوباما، وإنما الخوف، خوفي كعربي وكصحافي، من القراءات الخاطئة لأوباما شخصاً وسياسةً.

الشعار السياسي وهم مخادع للبسطاء. تحت شعار «الإسلام هو الحل» اقتحم الاخوان المسلمون البرلمان المصري بنحو مائة عضو. «التغيير» أيضا شعار كبير. لكن أوباما، في الرؤية الأخيرة، مجرد مسمار أسود في ترس فولاذي أبيض. لا بد له من أن يتكيف مع مؤسسة الحكم الأميركية. أن يراعي طبقتها الحاكمة في توجهاتها ومزاجاتها الداخلية، ورؤاها الخارجية.

وإلا... وإلا ماذا؟ اغتيل ابراهام لينكولن الرئيس الذي حرر السود بالقوة في حرب أهلية. قتل جون كنيدي الرئيس الذي أراد مساواة أكبر في الحقوق المدنية. نعم، تغير العصر. المجتمع الأبيض أكثر تقبلا لمبدأ التغيير، المجانين قلة، لكن الإزاحة القسرية بالتصفية الجسدية ليست مستحيلة، مهما كانت الحراسة شديدة.

أوباما أسود/أبيض ذكي. خطيب مفوه. فاهم لنفسية الجماهير. أظهر للأميركيين ولاءه للشق الأبيض من أسرته. لكنه تزوج سوداء وفاء للونه الغالب عليه. بقدر ما يتقن أوباما اللعبة السياسية الداخلية، فجهله يوازي جهل بوش بالعالم وبالسياسة الدولية.

جهل بوش فرض اتكاءه على رجال الآيديولوجيا المحافظة. هؤلاء استخدموا رعونته في شن حرب على العرب والمسلمين انتقاما لنيويورك 11 سبتمبر. مات في العراق مئات ألوف العرب. من يحاسب بوش على تسليم العراق لهيمنة إيران؟ بل كاد بوش أن يدمر العالم العربي كله بشعار «الإصلاح الديمقراطي بالفوضى الخلاقة»، لولا دهاء الصبر والملاينة عند مصر والسعودية.

أوباما ليس آيديولوجياً. لكن جهله الخارجي سوف يوقعه هو أيضا تحت وطأة مستشارين أكثر ليناً ازاء أوروبا، وأكثر رغبة في مصالحة روسيا. لكن في اختيار السمسار الأميركي/الاسرائيلي رام إيمانويل، يبدو أوباما أكثر وفاء للمال السياسي الذي أنفقه اليهود لتمويل حملته وحملة منافسه جون ماكين في وقت واحد!

قد يكون الغرض من اختيار السمسار إيمانويل تطويع مجلس الشيوخ الذي تملك فيه الأقلية الجمهورية الفيتو على مشاريع أوباما. بل قد يساعده على تطويع نيتانياهو المبشَّر بالفوز في الانتخابات الاسرائيلية. لكن الخيبة العربية قد يبدِّدُها أوباما باختيار سمسار للسلام أكثر اعتدالا، كلينتون مثلا، على اية حال، ستظل كفة العرب متأرجحة في البيت الأبيض، الى حين اختيار كامل أعضاء مجلس الأمن الوطني، مجلس الحرب والسلم الذي يقرر سياسة أميركا الخارجية.

«مانيفستو» أوباما الانتخابي والخطابي يشير إلى رغبته في التورط باكرا ومباشرة في النزاع الفلسطيني / الاسرائيلي / السوري. الرئيس بشار ينتظر السمسرة الأميركية لسحب إسرائيل من الجولان، ربما ليسحب سورية من إيران. إذا كان بشار مستعدا لقبول المظلة الأميركية لسلامه مع إسرائيل، فهل الفلسطينيون مستعدون؟

لا أعتقد أن الحالة الفلسطينية مرت بحالة من السوء تثير رثاء العرب، أو بالأحرى اشمئزازهم، كما هي الحالة اليوم. الشرذمة الفلسطينية نتاج تعب المادة السياسي والاجتماعي. شاخت فتح وتبعثرت. محمود عباس انسان طيب وجاد. لكنه غير مُلْهِم. حماس تقدم الحزب على القضية.

حماس تنسحب من حوار القاهرة، لعل وعسى في انتظار أوباما الفلسطيني، هل من نهاية لهذا الاهتراء المُزْري؟ فعلت مصر مبارك ما يمليه الواجب القومي في محاولة التمهيد لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية. اسرائيل تستغل الانقسام لاختبار رد فعل أوباما صبيحة نصره، بقتل ستة حماسيين في غزة.

الفلسطينيون بحاجة إلى حوار أكبر. توسع الاستيطان واحتمال انتخاب نيتانياهو يفرضان قرارا فلسطينيا موحدا بخصوص المستقبل: دولة فلسطينية؟ أم استيعاب الفلسطينيين في دولة اسرائيل؟ هل انفصال من اجل الاستقلال؟ أم من أجل المساواة في دولة الاستيعاب. نيتانياهو يرفض الدولة الفلسطينية. يرفض ايضاً دولة واحدة للشعبين. نيتانياهو ينافس بيريز في الدعوة إلى «تطبيع» مع العرب باسم «سلام اقتصادي» يتجاوز الرقم الفلسطيني.

فشل سياسة بوش ليس فحسب في تسليمه العراق لنفوذ إيران، إنما فشله أيضاً في حربه على الإرهاب في العالم الإسلامي. أميركا والناتو يسعيان لمصالحة طالبان. أوباما وماكين ناديا بتورط عسكري أميركي أوسع في أفغانستان. التورط والانسحاب أمران أحلاهما مر. لكن كليهما يهدد الأمن القومي العربي.

كان النظام العربي أكثر نجاحا من الدولة الكبرى في مكافحة الإرهاب أمنياً. الانكفاء الأميركي في أفغانستان سوف يجعل هذا البلد المتخلف منصّة لصنع وتصدير الإرهابيين إلى العالم العربي. وهكذا، يواجه النظام العربي احتمال مواجهة موجة جديدة من العنف السني، في الوقت الذي يواجه الاختراق الشيعي الإيراني. التبشير المذهبي بات مدعوما بالتمويل الذهبي للأشداق «العربية» التي تولول على الشيخ القرضاوي لمجرد توبيخه إيران.

القراءة الخاطئة لأوباما موقفا وسياسة، قد يدفع بقوى السنة العراقية للتحرك مجدداً ضد النظام الشيعي الجديد المدعوم إيرانياً. العراقيون مشهود لهم تاريخياً بالقراءة الخاطئة للسياسات، واحتمال تجدد القتال يشكل محنة للجيران. سورية، مثلا، حائرة بين إظهار البشاشة لنظام الشيعة في العراق، في الوقت الذي تهز استقراره بإعادة تصدير فلول «القاعدة» إليه.

وبعد، هل من درس للعرب في إقطاع أوباما ولاية أميركا؟

الدرس الحقيقي في القراءة العميقة الصحيحة لثراء التجربة الديمقراطية الأميركية، على الرغم من أن الحملة الانتخابية طالت كثيرا. المال السياسي أحدث تشوهات بالغة في فضيلة الحرية السياسية، من خلال الإنفاق الهائل على الدعاية الإعلامية للمرشحين. لست مزايدا على النظام العربي في المطالبة بديمقراطية فورية بلا تأصيل وتربية ديمقراطية لعشرات الملايين. لست حالماً لأطالب بصندوق اقتراع حر يأتي إلى السلطة بقوى دينية غير مؤمنة بالحرية السياسية، أو بقوى سياسية انتهازية أو طائفية.

الديمقراطية ليست، كما يتصورها الصحافي الغربي الزائر، في انتخاب سيدة أولى حاكمة لبلد عربي، أو في منح المرأة السعودية حق قيادة سيارة، أو في بيع الخمور في مقاهي وفنادق المدن العربية، بل ليست ديمقراطية الرأسمالية السماح لممول واحد بخسارة 750 مليون دولار من أموال المصرف الذي يتعامل معه.

انما أريد للنظام العربي ديمقراطية التواصل مع الناس. السماح للصحافة بتقديم المسؤول كإنسان لا يملك فحسب سيف السلطة ولسانها الرسمي الجاف، لكن يملك أيضاً حنان الأب في صورة له بين أولاده في بيته أو نزهته. نريد تعريف المواطن بالمسؤول: حياته. أفكاره. همومه. عواطفه. فرحه. حزنه...

ابتكر عرب الخليج الديوان أو المجلس. تقدير جميل للود بين المسؤول والسياسي والناس. لا أريد للديوان والمجلس ان يتحول إلى غرف عابقة بدخان السياسة. أريدهما أن يظلا ندوة ببساطة مجلس الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير الرياض، مجلس لمشاركة العاديين في همومهم وحل مشاكلهم التي لا تحلها صرامة القانون والنظام.