الصباح في أميركا

TT

لم أكد أتمالك نفسي ليلة الثلاثاء عندما ركزت كاميرات التلفزيون على القس جيسي جاكسون في الحشد الموجود في غرانت بارك في شيكاغو، ورأيت الدموع تسيل على وجهه. لقد ذهب انفعاله وتهديده، وحل محلهما تواضع في رهبة وفرحة عامرة. وتذكرت كيف كان شابا يافعا عام 1968 عندما وقف في شرفة لوران موتيل مع القس مارتن لوثر كينغ الصغير، قبل اغتيال كينغ بدقائق وقبل اندلاع النيران في المدن الأميركية بساعات.

ولم أكد أتمالك نفسي مجددا عندما تحدثت إلى العضو الديمقراطي عن ولاية جورجيا في مجلس النواب جون لويس، وهو من أشجع زعماء حملة الحقوق المدنية، وسألته عما إذا كان قد راوده من قبل حلما بأن يعيش حتى يرى مثل ذلك اليوم. وبينما كان لويس يبحث عن كلمات أكبر من «لا يمكنك تصور ذلك»، كنت أفكر في الضرب الذي تعرض له على جسر إدموند بيتوس والندوب التي ما زال جسده يحملها.

ولم أستطع تمالك نفسي قبل أن تنقل شبكات التليفزيون أن باراك أوباما سيكون الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة بدقائق، عندما اتصلت بوالدي في أورانجبيرغ في كارولاينا الجنوبية وفكرت في التضحيات التي قدماها والصراعات التي تحملاها حتى يتمكن جيلي من الصعود. وقد شعرت بسعادة بالغة بأنهما موجودان للاستمتاع بهذه اللحظة المذهلة.

واستجمعت قواي ثانية، ولكني لم أستطع تمالكها من جديد عندما شاهدت أوباما يقف على المسرح مع أسرته، زوجته ميشيل وابنتيه ماليا وساشا، وألوان ملابسهم جميعا المتناسقة باللونين الأحمر والأسود. وجُلت بخاطري في الصورة شديدة التأثير التي سنراها عندما تصبح هذه الأسرة السمراء الشابة الجميلة الأسرة الأولى في البلاد.

وعندما، ظهرت والدة ميشيل وشقيقها والعائلة الكبيرة، فكرت في «الأسرة السمراء» كمؤسسة، كيف تواجه المتاعب، بل وكيف تتميز بالمرونة والحيوية أيضا. ووجدت عيني وقد اغرورقتا بالدموع عندما نزل أوباما وميشيل من فوق المنصة معا، مرتبطين ببعضهما الآخر، كزوجين يقتربان من الخوض في مغامرة، مليئة بالاحتمالات والمخاطرات، ويمكن أن تغير هذه البلاد إلى الأبد.

يمكنني أن أقول في ثقة إنني لم أشعر مطلقا بمثل هذا التفاعل العاطفي العميق مع أي انتخابات رئاسية. ولكني أجد من الصعب أن أصف الشعور القوي الذي يغمرني.

من الواضح أن قوة هذه اللحظة ليست شعورا ينتاب الأميركيين من أصول أفريقية فقط. وعندما تحدث الرئيس بوش عن الانتخابات يوم الأربعاء، ذكر أهمية الرسالة التي سيبعث بها الأميركيون إلى العالم، وإلى أنفسهم، عندما تنتقل أسرة أوباما إلى البيت الأبيض.

ولكن بالنسبة للأميركيين من أصل أفريقي، ذلك الشعور شخصي.

لا يسعني إلا رؤية انتخاب أوباما علامة على الاعتراف والقبول، وهو أمر مضحك، إذا أمعنت التفكير فيه. لقد جعل جهد المواطنين السود عظمة هذه البلاد ممكنة. فقد زرع المواطنون السود التبغ والنَيلة والقطن وتعهدوا برعايتها وهي الزراعات التي جلبت أول الثروات الأميركية الكبرى. وقد حارب مواطنون من السود في كل حرب خاضتها البلاد وقتلوا فيها. لقد حارب السود من أجل ضمان حقوقنا الأساسية التي يكفلها الدستور. وليس علينا أن نطالب بأي شيء من أي أحد.

ولكن تغير شيء ما يوم الثلاثاء عندما عهد الأميركيون، البيض والسود وذوي الأصول اللاتينية والآسيوية، إلى رجل أسمر البشرة بالسلطة والمسؤولية الرئاسية. وكنت دوما أقصد كل كلمة عندما كنت أتلو قسم الولاء في المدرسة، وكنت أعني كل كلمة عندما كنت أردد النشيد الوطني في مباريات الكرة وأطلق الألعاب النارية في الرابع من يوليو (تموز). ولكن هناك المزيد من المعاني التي تحملها تعبيراتي عن حب الوطن، لأن هناك معاني كثيرة في المثل العليا الحماسية التي يمثلها النشيد الوطني والألعاب النارية.

ولا يعني ذلك أنني كنت سأشعر بمقدار أقل من حب الوطن لو اختار الناخبون جون ماكين. كما أن الشعور الذي أحاول وصفه ليس حقا بسبب سياسات أوباما. فسأختلف مع بعض قراراته، وسأعتبر بعض خطبه العامة مجرد كلام لا معنى له، وسأنتقد قرارات تعيينه لأشخاص محل شك. ستكون وظيفتي هي اعتباره مسؤولا، مثل أي رئيس، وأنا أعتزم القيام بمهام وظيفتي.

لا يتعلق الشعور الذي ينتابني في هذه اللحظة بأوباما بقدر ما يتعلق بالأمة. الآن عرفت كيف كان يشعر بعض الأشخاص عندما سمعوا رونالد ريغان يقول: «إنه الصباح من جديد في أميركا». وأشعر بدفء أشعة الشمس الجديدة على وجهي.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»