القدرة على الحلم

TT

مشاهد مختلفة تحصل في العالم لا يتمالك المتابع معها إلا التمعن ومحاولة الاستيعاب بعناية وهدوء. الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني أصبح أصعب وأشد تعقيدا من الصراع مع المحتل الاسرائيلي، فحجم الاتهامات المتبادلة واسلوب تعاطيها يؤكدان أن «الخلاف بين الاخوة» تحول الى «عداء دموي» لا يمكن إنكاره.

حجم الـ«أنا» المرتفع بين القيادات الفلسطينية الغارقة بين مطرقتي الطغيان والفساد يجعل الشعب الفلسطيني واقع تحت رحمة من لا يرحم ولا يقدر.

القيادات الفلسطينية تتعامل مع قضيتها بدون منطق ولا عقل ولا حكمة، وبالتالي لا يمكن أن يرجى من الطرفين خيرا في علاج مشاكلهما العميقة والمتزايدة بنفسهما، وتزداد المسائل تعقيدا في ظل رفضهما لإكمال الوساطات المعروضة عليهما للصلح وعلاج المشاكل من أطراف عربية أخرى. في ظل غياب الكبار والعقلاء يحتل الساحة صغار بلا مسؤولية.

الخليج العربي شهد هو الآخر تصريحا لا يمكن المرور عليه دون تعليق، والتعليق لا يمكن إلا أن يكون ممزوجا بسخرية وخوف وحزن.

إيران ابدت اعتراضها الشديد وتحفظها الكبير على «التجاوزات» البيئية التي تحدث في مياه الخليج من قبل المشاريع العقارية العملاقة التي تعتمد على الردم في البحار مما يهدد «الحياة البحرية والتوازن البيئي» وكان المقصود تحديدا مشاريع النخلة وغيرها في دبي بالامارات العربية المتحدة.

والغريب أن يأتي هذا التصريح من دولة كايران «احتلت» جزرا للامارات وتقوم بتطوير مجموعة من المفاعلات النووية العملاقة بمثابة قنبلة بيئية موقوتة على مياه الخليج، واذا لم يكن هذا وحده تهديدا للسوية البيئية فلا أعلم ما هو التهديد إذن. ايران ليس لديها أفضل سجل في مكافحة التلوث وبالتالي فإن تعاطيها مع الشأن البيئي أقل ما يقال عنه إنه مسألة تتطلب جهودا أكثر وليس هناك دليل أبلغ إلا وضع طهران المأساوي في مواجهة التلوث الهوائي فيها.

وفي لبنان يبقى الوضع المتوتر قائما يقوده العماد ميشال عون وزمرته، والذين يبحثون يوميا عن معارك جديدة لأي سبب ولأي غاية، حتى يظل اسم العماد «البرتقالي» في المساحات الرئيسية للاعلام، وهو شخصيا لا يزال مواصلا محاولاته للوصول الى كرسي الحكم بتسويق نفسه، حاول عن طريق فرنسا وباريس وبعدها حط الرحال في واشنطن، ودهاليز كونجرسها، وعاد الى لبنان وغيّر «الموجة» تماما وغرّد شرقا، فجرّب حظه في طهران وأصفهان والآن يستعد للعودة عن طريق بوابة دمشق. وكما قال لي صديق لبناني معلقا على ترحال العماد عون السياسي المثير «الرجل لا يعمل في شركة سياحية، ولكن ما فيك تلومو، الزلمة بدو يحاول».

والظاهرة «الاوباماوية» اصابت الحزب الجمهوري «المضروب ضربا مبرحا على رأسه جراء الخسارة الكارثية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة» فها هو يبدأ الترويج المبكر لمرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة. بوبي جيندال ابن الـ 37 عاما هو من أصول هندية ويحكم حاليا ولاية لويزيانا ويتمع بشعبية كبيرة وحضور مثير وهو أيضا ابن مهاجرين.

ولم يعد غريبا تخيل أو تأمل أن يحكم أمريكا مهاجر هندوسي أو بوذي أو حتى مسلم، فهي بلد قادر على أن يحلم. حلموا يوما بالقضاء على ظاهرة العبيد وفعلوها، حلموا يوما بالقضاء على الشيوعية وفعلوها، حلموا يوما بإسقاط جدار برلين وفعلوها، حلموا يوما للوصول الى القمر وفعلوها، حلموا يوما بوصول أفريقي أمريكي الى الرئاسة وفعلوها...

أختم هذا الكلام بمقطع غنائي جميل لمطرب النوبة الأسمر «بما أنو السمار هو اللي ماشي هذه الايام»! حين يقول: لو بطلنا نحلم نموت.

[email protected]