التغيير بدون أوهام

TT

لا يمكن أن تخطئ العين هذه النشوة التي سادت العالم وليس الولايات المتحدة فقط بعد الفوز الواضح لباراك أوباما بأغلبيــة لافتـة في انتخــابـات الرئاسة الاميركية وكأن العالم كان يشارك هو الآخر في التصويت ولو بشكل معنوي.

النشوة لها أسبابها الكثيرة في الولايات المتحدة وتتجاوز الشعور بالرغبة في إيجاد مخلص في وقت ازمة مالية عاصفة، وقد تكون جذورها في شعور الناخب الاميركي بانه صنع تاريخا ونموذجا فاجأ به العالم الذي استعاد ثقته بحيوية هذا المجتمع وقدرته على التجديد والتفكير الى الأمام.. نعم صنع تاريخا لأن هذه الاغلبية التي وضعت اوباما في موقع البيت الابيض دفنت كل النظريات عن استمرارية تأثير مسألة العرق واللون في المجتمع وتأثيرها على قراراته، وهو ما دعا كثيرين الى القول قبل الانتخابات بأن اميركا ليست مهيأة بعد لرئيس اسود، وثبت بعد النتيجة ان ذلك كان غير صحيح وان اوباما حصد نسبة كبيرة من اصوات البيض، كما حصد اصوات السود.

أما هذا الشعور الذي ساد العالم بالنشوة والارتياح فيتجاوز مجرد الرغبة في تغيير السياسات او وجود إدارة ديمقراطية بتوجهات جديدة في عالم تعصف به أزمات كثيرة حاليا، إنه الشعور بأن إنسان القرن الواحد والعشرين هو غيره في القرن العشرين، وأنه أصبح قادرا على تجاوز عُقَد اللون والعنصرية، وانتخاب رئيس من لون آخر للقوة العظمى الاولى حاليا.

ولم يأت ذلك من فراغ، فهو نتاج تراكمات سنوات من الاحتكاك في المدارس والجامعات والاعمال بين أناس جذورهم من بيئات وثقافات والوان بشرة مختلفة، ألغت الشعور بالتقوقع والانعزال والخوف من الآخر، وهو السبب الحقيقي للعنصرية وكراهية الآخر، وقد مهدت لذلك الكثير من العوامل الثقافية، فحتى هوليوود مهدت منذ سنوات طويلة لذلك بأفلام ومسلسلات تلفزيونية لرئيس أسود يحكم الولايات المتحدة.

هناك تغيير ومفرق تاريخي مهم أحدثه انتخاب اوباما في الولايات المتحدة وفي صورتها بالعالم، ظهر خلال فترة قصيرة للغاية، لكن هناك أيضا توقعات وآمالاً مبالغاً فيها من الرئيس الجديد، فالتغيير الحقيقي لا يحدث في وقت قصير، وكما كانت هناك الكثير من العوامل التراكمية على مدار سنوات طويلة أدت الى ظهور أجيال جديدة لا تشغلها قضايا لون البشرة، فإن أي ادارة جديدة تحتاج الى وقت لتنفيذ أجندتها وتلمس طريقها ولها أولوياتها، وليس شرطا ان تكون متسقة مع أجندات او أولويات أخرى. وحتى اوباما نفسه كان يبدو وكأنه يشعر بأن التوقعات منه كثيرة، فقدم رؤية حذرة خفف فيها من التوقعات في خطاب الفوز، قال فيها إن الطريق صعب وقد لا يحدث التغيير في عام او فترة رئاسية واحدة.

خارج اميركا يبدو أن التوقعات كبيرة للغاية من هذه الإدارة الجديدة، والجميع في حالة انتظار أن تتسلم مهامها قبل ان يقرر خطوته المقبلة، لكن الكثير من هذه التوقعات تبدو مبالغا فيها، فأي إدارة جديدة لن تخلق شيئا من فراغ، والخطوط العامة للسياسة والمصالح لا تتغير، وإذا أرادت ان تغير المعالجة لبعض القضايا فإن ذلك سيستغرق وقتا، ويعتمد على تحركات الاطراف التي تتعامل معها، وعلى أولوياتها الداخلية والخارجية، وقد أعلنت الإدارة الجديدة ان اولويتها هي الاقتصاد.

هذا لا يلغي ان وجود إدارة تتفهم مشاكل واحتياجات العالم، وتستطيع العمل بالمشاركة مع اطراف اخرى، يخلق مناخا افضل للعمل الدولي، لكن ايضا فإن الاطراف الاخرى المعنية هي التي تستطيع ان تحرك قضاياها، وتساعد على إثارة الاهتمام بالعمل معها وخلق افكار جديدة.