الملك عبد الله وحوار الأديان

TT

تشهد الأمم المتحدة اليوم في نيويورك حدثا مهما وتاريخيا، يتمثل في اجتماع عالي المستوى في الجمعية العامة من أجل تدشين حوار الأديان على المستوى الأممي، الحوار الذي وقف خلفه الملك عبد الله بن عبد العزيز.

فكرة بانت ملامحها الأولية منذ لقائه بالوفد الياباني في الرياض، حتى تبلورت في مدريد، واليوم تأخذ بعدا عالميا.

أهمية المبادرة أنها تأتي من السعودية مهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين، ومن ملك بطبعه يؤمن بالحوار والثقافة والتواصل، حتى قبل الأحداث الإرهابية التي عصفت بالعالم والسعودية.

العاهل السعودي هو من رعى مهرجان الجنادرية، منذ كان وليا للعهد. وهو الذي دعا ضيوفا كان ينظر لهم على أنهم ليسوا أصدقاء السعودية، ليس من الغرب وحسب، بل من العرب. كان رده دائما: دع من لا يعلم عنا شيئا يأتي ويرى ويناقش من داخل السعودية نفسها.

وبعد اندلاع عمليات الإرهاب عالميا بدءا من الهجمات على أميركا، إلى أن وصلت إلى الرياض وباقي المدن السعودية، كان الملك عبد الله هو الرجل الذي تصدى علنا لأصحاب الأفكار الهدامة، حيث استقبل رجال الدولة، ورجال الدين، والإعلاميين والأكاديميين وتحدث إليهم ليس سرا بل في حوارات بثت تلفزيونيا.

كل أحاديثه كانت تدعو إلى الحوار، وهو الذي قال: مرت علينا أيام لم نكن نعلم ما هو الحوار، فكل من يخالفنا يعتبر ضدنا، وليس خارجيا بل حتى نحن السعوديين. ولذا فلو جاءت السعودية بحوار الأديان قبل أن تعمم ثقافة الحوار في الداخل لقلنا حق لمن ينتقد أن يقول ما يشاء.

لكن الملك عبد الله دشن حوارا وطنيا في بلاده، أصبح بعد ذلك مصطلحا شائعا في جل الدول العربية. تنقل الحوار من موضوع إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، وبين جميع شرائح المجتمع السعودي.

ولم يكتف العاهل السعودي بذلك، فهو الرجل الذي وقف في القصيم ليقول إنه يرفض المسميات التي يهدف منها التشكيك في الآخرين من أصولي وليبرالي وعلماني، بعد أن أصبحت تلك الصفات تستخدم بحق وبدون حق. وذهب إلى حد إطلاق عبارة تتفاعل كل يوم، حين قال: دعونا من «الوطنية المزعومة»، مؤكدا أن جميع أبناء الوطن لهم الحق في البناء والتفاعل.

ومن شهد حالات التفاعل التي حدثت في السعودية، تحديدا بعد الأعمال الإرهابية في 2003، يعلم أهمية الحديث عن «الوطنية المزعومة»، خصوصا أن البلاد تحولت إلى مطبخ أفكار، وتشكل واقع جديد، كيف لا والبلاد برمتها كانت في مواجهة شبه دولية بعد أحداث 11 سبتمبر.

ولذا فعندما يأتي العاهل السعودي إلى نيويورك متحدثا عن حوار الأديان، فهو استكمال لجهد تراكمي بدأ من الداخل السعودي. مبادرة ملك قام بواجبه في الداخل إصلاحا ومواجهة، وحقق حراكا حقيقيا في بلده.

اليوم في نيويورك نرى الفرق بين من يقرب ويجمع، ومن يلعب على الطائفية لينفر ويشتت. عبد الله بن عبد العزيز رجل مبادرات جادة، سياسيا بدأت من لوكربي، ومرورا بمبادرة السلام العربية، واليوم نحن أمام مبادرة خير وسلام.

[email protected]