أوباما.. تزعم بالمواطنة لا المحاصصة!

TT

فاز باراك بن حسين أوباما بسيادة البيت الأبيض، وزوجته سيدة له، وبالتالي هما سيدان أسمران للعالم، حسب أفلاك السياسة والاقتصاد. ويعد الرجل الرئيس الأول المختلف لوناً عن لون الأكثرية. فقبيل ولادته، أو أثناء طفولته كان التمييز العنصري مستعراً بالولايات المتحدة، على الرغم من صدور قانون تحرير العبيد من قبل 100 عام. كانت الأماكن العامة ووسائل النقل تميز بين الأسود والأبيض، ناهيك من السياسة والأحزاب ذات السيادة الدائمة بالبلاد. وكان الفوز نقطة تحول في التاريخ الأمريكي بل بتاريخ سود العالم الغربي وبيضهم على حد سواء.

وللتذكير لا المفاخرة، أن شرقنا، وإن كان من دون انتخاب أو إجماع، قَبل بزعامات سود، وليس في الدين مانع لذلك. ويأتي في مقدمتهم زعيم مصر، من نيلها إلى بحرها، كافور الأخشيدي، في القرن الرابع الهجري أو العاشر الميلادي، لاثنين وعشرين عاماً، منها سنتان متفرداً فيهما بالعرش، وذلك قبل ولادة محرر السود الأمريكيين (22 سبتمبر ـ أيلول 1862) ابراهام لنكولن، الرئيس الأمريكي السادس عشر بأكثر من ألف عام. وكُني كافور بأبي المسك، وهو «ملك الأرياح» حيث قول أبي الطيب المتنبي فيه مادحاً: «أبا المسك أرجو منك نصراً على العِدى.. وآملُ عزاً يخضبُ البِِيض بالدمِ». غير أن شاعرنا ليس كالناخب الأمريكي يثبت على حال، فما هي إلا أيام ويهجو كافور بلونه!

بعد هذا التقديم، المسهِب لضرورة الإيضاح، نأتي إلى صلة الرئيس الأمريكي المنتخب بشأن العراق، وكيف رضيت دولته، وهي صاحبة القرار يومها، أو الجزء الأكبر منه، في ترتيب البيت العراقي على أساس المحاصصة، التي تظهر المواطنة مصلوبة على هيكلها. ماذا لو أن أبا المسك الأمريكي ترشح عن طريق قائمة أبناء لون أبيه السُّود لا عن طريق المواطنة! هل تمكن من الوصول إلى عتبة البيت الأبيض! وإذا كان الحساب على اللون، فباراك وزوجته وجدته، التي رقصت لفوزه بين أدغال كينيا انتصاراً وفخراً بحفيدها، يعدَّون جميعاً من الأقلية، التي نزل رصيدُها في الملف العراقي الانتخابي إلى ستة مقاعد، لجميع (الأقليات)، ولا أظن أوباما، حسب المحاصصة، التي رضيت بها أمريكا نهجاً في السياسة العراقية، سيطمع في أكثر من رئاسة بلدية لولاية من الولايات!

وهنا أمر بالغ الأهمية، ألا وهو كم من أبناء الأقليات، أو القلائل، ستحرم البلاد الإفادة من قدراتهم وإخلاصهم في مفاصل الدولة السيادية: رئاسة الوزراء، ووزارات ذات فنون وعلوم. وكم سيُلجم من أبناء البلاد، من أمثال باراك أوباما عراقي، بسبب حصرهم داخل أسوار الغيتوات الطائفية والقومية والدينية. ماذا لو كانت السياسة الأمريكية مبنية على تلك الغيتوات، وهي العديدة الأعراق والأديان والمذاهب! مع أنها بالمواطنة لم تمنع ابن حسين المسلم الكيني، وهي المسيحية بعدها وعديدها، من رئاسة البلاد، بعد أن رفعت تلك اللافتات العنصرية من على بوابات المحلات والمطاعم والمراقص ومحطات النقل إلى بوابة البيت الأبيض.

في ظل المواطنة الأمريكية، اختلطت الأقليات بالأكثريات، وتماهى اللون والدين والقومية في الولايات المتحدة، بعد أن أمست أماً وأباً للجميع، مع أن أحياء ومناطق السُّود والكاريبيين والآيرلنديين وسواهم من الأقوام محتشدة في ولايات ومناطق خاصة، لكنهم في السياسة لم يميزوا بين ابن حسين الأسود المسلم وابن مكين الأبيض المسيحي في تنافسهما على رئاسة البلاد، وهي رئاسة وزعامة لو تعلمون ليست ككل الرئاسات والزعامات!

في هذه الممارسة، أرى النهج الأمريكي أقرب إلى القول الكريم من مسلمي العراق، في ترجيح المواطنة على المحاصصة: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات الآية 13)! ولا معنى لتعارف أعمق من التخالط والتعايش في الأرض، سواء كانت أمريكا أو العراق. أقول: لولا مفردة «لتعارفوا» لجدَ أهل المحاصصة في تأصيلها دينياً ودنيوياً! إلا أن الكلام اللامحدود، ما تحويه الأرضين والأوطان، لا يحد بأبعاد قوم وقبيلة.

مثلما وسعت على أهلها أمريكا بالمواطنة، وهي مشيدة من شعوب وقبائل لا يجمعها جامع سوى الانتماء إلى تلك الأرض، ضاق العراق على أهله بالمحاصصة، وهو المتسع لأكثر من حضارة. علامَ تخشى الأكثرية من زعامة مواطنها: ابن القوش أو طوزخورماتو إذا ما وجد فيه الناس الكفاءة، فأوصلته أصواتهم عبر قوائم الأحزاب، التي تنظمت بالتعارف لا بآصرة أخرى.

مطلوب التمعن في فوز أوباما رئيساً للشعوب الأمريكية، ومن حقه مراجعة موقفه في حال حصر أمريكيته بلونه وديانة والده: إذا لم يكن للمرء في دولة امرئ.. نصيب ولا حظ تمنى زوالها! أقول أليست السياسة والزعامة والإدارة جزءاً من هذا النصيب..!

[email protected]