أحب إلي من لبس الشفوف!

TT

الأسرة هي الخلية الأولى للمجتمع الإنساني.. والأسرة هي قاعدة الصناعة والزراعة، وهي حضن الأمان للإنسانية في طول التاريخ وعرضه.. فالإنسان اختار هذه الشكل ولم يغيره، فمن مليون سنة: كان الأب والأم والأطفال يتوارون في الغابات أو في الكهوف.. والأب يمسك الطوب والحجارة يضرب بها الوحوش التي تهجم على أطفاله.. لأن الحيوانات قد شمت رائحة الطفل وسمعت صوته وهو يبكي..

ولذلك اعتادت الأم أن تسد فم طفلها حتى لا يبكي منذ مليون سنة. فكان الطفل لا يبكي حتى لا تهتدي إليه الحيوانات. ولكن عندما عرفنا الأمان وراء الأبواب المغلقة والنوافذ المحكمة وأبعدنا الحيوانات راح الطفل يبكي ـ ونحن ـ وهو آمن تماماً..

وقد تطورت كل أدوات الحياة إلا الحياة العائلية، فبعد أن كان الإنسان يأكل بيديه ويمزق بأسنانه اخترعنا السكينة والشوكة والملعقة، وبدلا من استخدام الطوب والحجارة في الدفاع عن النفس اخترعنا بنادق ومدافع وصواريخ، ومن أجمل ما جاء في الشعر العربي في التفرقة بين الإيواء والتأهيل ما قالته زوجة الخليفة معاوية بن أبي سفيان واسمها ميسون، فقد سبق الخليفة ابن عمها وتزوجها.. فقالت :

لبيت تخفق الأرواح فيه ـ أحب إلي من قصر منيف

وكلب ينبح الطراق دوني ـ أحب إلي من نقر الدفوف

وأكل سيرة من كسر بيتي ـ أحب إلي من أكل الرغيف

ولبس عباءة وتقر عيني ـ أحب إلي من لبس الشفوف

فهي تفضل العباءة الخشنة مع الحبيب على الحرير مع الرجل الذي لا تحبه وفتفوتة خبز على الرغيف، ونباح الكلاب أجمل من الطبل والزمر.. والخيمة التي تهزها الريح أحب إليها من قصر الخليفة.. فقصر الخليفة «إيواء» لها وخيمة ابن عمها تأهيل له.. وقصر الخليفة «مسكن» وخيمة ابن عمها «بيت» والفرق كبير بين الاثنين وهو العمق الوجداني وكرامة الإنسان!