كيف نعيش بـ20 دولارا للبرميل؟

TT

الصدمة النفطية عادة يقصد بها ارتفاع الاسعار، أما في حالنا، كدول نفطية إنتاجا ومعاشا، فأعني بها انحدار السعر. الانحدار الذي امامنا مروع حيث لم يدر بخلد أحد أن يحدث بهذه السرعة، بمن فيهم المتشائمون. ان يعود السعر الى الخمسين دولارا للبرميل بعد ان صعد الى ما وراء المائة وخمسين في زمن قصير، لا بد ان يجعلنا ان نكون أكثر قناعة بحدوث المستحيلات، وليس مستحيلا ان نبيع البرميل بعشرين دولارا فقط. ومع هذا، ورغم الفاجعة علينا الا نجزع، فرب ضارة نافعة.

الصدمة ان آمالنا بعشر سنوات ثرية، تساعد على تحقيق البحبوحة الموعودة، صارت في مهب الريح، او هكذا يخشى البعض، لكن هذا ليس صحيحا ان كنا نتعلم شيئا من تاريخنا الحديث. عسانا قد تعلمنا من الصدمة النفطية الأولى في بداية الثمانينات ان الانتظار على باب البيت على أمل ان يعود السعر الى الارتفاع قد يطول، كما طال عشرين سنة عجاف.

هذه المحنة هي في الحقيقة نعمة، انها مثل انذار من العقل بان نعتمد على انفسنا، على عقلنا، ونصلح امورنا. يمكن ان نحقق الكثير بالقليل من المال ويوصلنا الى النتيجة السعيدة اياها. لا نحتاج الى مائة دولار لبرميل النفط حتى نصلح تعليمنا. تعليم الطلاب المزيد من الكيمياء والفيزياء والرياضيات، لا يحتاج الى دولار اضافي واحد، لكنه سينتج اكثر مما يحققه نظامنا التعليمي الحالي، حتى لو اغدقنا عليه ألف مليون دولار إضافية، فالتعليم الضعيف ينتج مجتمعا هزيلا.

عشرون دولارا للبرميل لن تعوقكم عن إصلاح التعليم، ومن خلاله ستكتشفون انكم ستعيشون بربع ريع البترول، وستكونون اكثر نجاحا وازدهارا. تطوير التعليم، مناهجا ومدرسين ومدارسا، هو الذي سيمنح كل المجتمع الثروة العقلية، والاعتماد على النفس الى الأبد دون الحاجة ان نربط حياتنا باسعار النفط. في الوقت نفسه انا على قناعة أكثر لن نخطو إلا الى الوراء بدون تطوير التعليم في العالم العربي، الذي لا يشك احد في انه من اكثر انظمة التعليم في العالم تخلفا.

بعشرين دولارا للبرميل سنحتاج بشكل ملح الى اصلاح البيروقراطية الحكومية لأنها المعيق في وجه التنمية، تبدد الكثير من الوقت والجهد والمال. الاصلاح الاداري سيجعل الحكومة أغنى واقوى واكثر عدلا ونجاحا.

بعشرين دولارا سقط خيار الحكومة في ان تستوعب البطالة المحلية بنفسها، ولم يعد امامها سوى تشجيع العمل واعطاء الاولوية لمواطنيها، مهما كانت العلاجات قاسية وغير شعبية. وبعشرين دولارا لم يعد مقبولا ان ترتفع نسبة البطالة بين المواطنين ويبقى جلب العمالة الاجنبية في تزايد.

هذه التوقعات ليست خاصة بحالة العشرين دولارا للبرميل، بل ضرورة لكل الأوقات، في الرخاء والشدة، وعلينا الا نفزع من اسعار البترول مهما هوت لانها ستكون الموجه الاصلاحي الذي لا غنى عنه.

[email protected]