«خاص ـ التلفزيون السوري»

TT

العبارة أعلاه تستدعي شريطاً موازياً من التساؤلات.. فهذه «الخاص» التي لطالما اعتمدتها القنوات التلفزيونية في بثها مواد إخبارية شكلت سبقاً أو امتيازاً، هي المرة الأولى التي تسترعي اهتمامنا على التلفزيون السوري، هذا إذا لم تكن المرة الأولى التي تظهر على الشاشة السورية. وما نعنيه طبعاً ذلك الشريط الذي تضمن اعترافات للخلية التي زعم التلفزيون السوري أنها من يقف وراء تفجيرات دمشق الأخيرة.

في العادة تسبق وسائل الإعلام العربية والعالمية التلفزيون السوري في نقلها الوقائع السورية. معظم الحوادث الأمنية التي وقعت في سورية من تفجيرات واغتيالات وانتحارات لشخصيات وقيادات بارزة غاب ذكرها عن التلفزيون الرسمي، وكان السوريون يطلعون على ما يجري في بلادهم عبر وسائل إعلام غير سورية. لكن هذه المرّة أتى القرار بأن يفوز التلفزيون السوري بالسبق، وقد جهد هذا التلفزيون لتقديم مادته الخاصة على مستوى احترافي. نقاوة الصورة والإضاءة المميزة والصور المرفقة المنسجمة هي محاولة تقديم مادة محترفة، لكنه احتراف في الشكل فقط.

ليس الدافع في وضع عبارة «خاص ـ التلفزيون العربي السوري» على الأرجح تسجيل سبق تلفزيوني. الدافع وظيفة سياسية ودعائية لطالما حكمت عمل هذه الشاشة ووصمتها برتابة بحيث صار من الصعب إبعادها عنها. فالتلفزيون السوري في وعي المشاهد العربي يساوي ذلك البطء الذي يشكل سمة معظم الشاشات الرسمية العربية، لكن في الحالة السورية هو مدفوع إلى أقصاه.

لندع مصداقية ما ورد من اعترافات، وهي مصداقية ظللتها الكثير من التناقضات والشكوك. لكن لنناقش ذلك التشابه الذي وقع فيه التلفزيون السوري من دون أن يدري مع الميل الدعائي لمصدري الأشرطة المصورة التي تم عبرها تبني عمليات تفجير واستهدافات أمنية.

ما كان ينقصنا في حالة الشريط السوري هو استبدال عبارة «خاص ـ التلفزيون العربي السوري» بعبارة «مؤسسة السحاب» التي تتولى إعداد شرائط تنظيم «القاعدة». فالاعترافات التي بثها التلفزيون من المفترض أنها انتزعت من قبل أجهزة رسمية ومن المفترض أن تتخللها شفافية وأن تخضع لمعايير، في حين جاءت التسجيلات المذكورة متضمنة إغفالات كثيرة، منها مثلاً إغفال الدافع إلى بثها، فكيف إذا كنا حيال قضية أمنية شائكة!

لا يبدو أن بث ما أذاعه التلفزيون السوري سيخدم التحقيق إلا إذا كنا حيال سجال ونثر اتهامات، وتلك كانت مهمة الشريط التلفزيوني إياه. ثم إن سورية التي تأبى مقارنة سجونها وحال معتقليها بأولئك الذين امتهنوا في «غوانتامو» أو «أبو غريب»، فإذا هي من المفترض أن تكون بلداَ خاضعاً لأنظمة وقوانين، فكيف نفسر والحال هذه إلزام متهمين باعترافات أمام شاشة التلفزيون! ألا ينافي ذلك الشرعة الدولية لحقوق المتهم والموقوف؟! وقبل أن نتهم النظام في سورية علينا أن نسأل التلفزيون السوري إن كان طرح على نفسه أسئلة من هذا النوع، وهو طبعاً أمر مستبعد، فنحن لسنا إلا أمام فيلم سوري طويل.

diana@ asharqalawsat.com