يتيمة السطوح الخضراء

TT

العام 1976 ذهبت الى إحدى أجمل جزر العالم، برنس ادوارد آيلاند، وتمنيت لو أبقى. طلبت عملاً في صحيفة الجزيرة التي ترفع شعار «الندى، لا الحبر»، بمساعدة شقيق الأديبة اميلي نصر الله، وبطل روايتها الأولى «طيور أيلول». وقد تكررت الغربة في كل رواياتها الجميلة. غير أن رئيس التحرير صرفني بأناقة قائلاً: هذه جزيرة للمتقاعدين وأنت في بداية المهنة.

لكن الأيام التي أمضيتها مع لبيب أبي راشد وأشقائه، كانت في جزيرة لا يشبهها سوى أطراف الجنة. غدران وجداول وحقول وبساطة وهناء وعصافير تغني وحيدة وترقص وتداعب أقدام صيادي «السلمون» الذي منه ألف في كل غدير. وعليك أن تحصل على رخصة للصيد، لكن هذه يمكن الحصول عليها من الدكان أو من بائع السنانير والطعوم.

ذاعت شهرة الجزيرة العام 1908 عندما صدر كتاب بعنوان «آن التي من بلد السطوح الخضراء» وهو يحكي قصة صبية يتيمة أرسلت من مقاطعة نوفا سكوشيا المجاورة للعمل في مزرعة على الجزيرة. وقد نجحت الرواية وحولت الى فيلم وأصبح اسم الجزيرة مرتبطاً باسم آن، الحمراء الشعر. وتحافظ الجزيرة على المنزل الذي أوحى للمؤلفة بالقصة، كما هو، بسطحه المنحدر الأخضر، وأمامه العربة الصغيرة التي كانت تقل صاحبة المنزل.

تحولت الجزيرة الآن، وهي أصغر مقاطعات كندا، الى مجذب سياحي. لكنني عندما سافرت اليها كانوا لا يزالون يميزون الغرباء الواصلين على العبّارة البطيئة. وكان اللون الحنطي دليل الغزو الأجنبي. ومع أن رئيس البلدية يومها كان لبنانياً من عائلة زخم، فإن كل من لم يكن من أصل اسكوتلندي هو غريب. وأهل الجزر يكرهون الغرباء ويخافونهم ويخافون منهم على أسماكهم، البحرية والنهرية. وبدت لي الجزيرة الرائعة مثل قرية كبرى أكثر سكانها من البط والأوز ومالك الحزين.

في مرور مائة عام على كتاب لوسي مود مونتغمري، ترتدي بنات الجزيرة فساتين تلك الأيام، مع إزارها الأبيض وقبعات القش التي تتدلى منها ضفائر اصطناعية حمراء، ويبحث السياح اليابانيون عن البطلة في ذوات الشعر الأحمر، لأن الترجمة اليابانية للكتاب تحمل عنوان «آن ذات الشعر الأحمر». وأما القرية الخيالية التي سميت في الرواية «أفونيليا» فقد أصبحت قرية حقيقية لكن بطراز تلك الأيام.