من يفتح مدرسة يقفل سجناً !

TT

أسعد الأطفال هم الذين ولدوا والكتاب في أيديهم. ولم نكن من هؤلاء السعداء.. فليس بيننا من وجد كتاباً كاملاً، وإنما كنا نجد الأوراق على الأرض وعلى الجدران! وكانوا يضربوننا لأننا وضعنا الجبنة والحلاوة في جيوبنا، لنتمكن من قراءة الأوراق التي كانت ملفوفة بها.. فإذا وجدنا هذه الأوراق الملوثة المبقعة، ألصقنا ظهورنا بأعمدة النور نقرأ.. فإذا طلع النهار، ربطنا أنفسنا بجذوع النخل نقرأ ونحتفظ بهذه الأوراق لنعيد قراءتها، فمن يدري ربما لن نجد غيرها قريباً..

أما اليوم فالطفل أسعد حالاً.. فهو يجد الكتاب الكامل الملون، ويقرأه على سريره، وتحت مصباح هادئ، ويطل من النافذة ويتفرج على التلفزيون، ويبتلع شيئاً من الحلوى من جيبه.. وبسبب لا يفهمه الطفل الآن.. فإنه لا يرى يد أمه وأبيه وقد انقضت على خده وقفاه. ولم نكن نرى إلا هذه الأيدي، لأننا نسينا الطعام، ولم نعد نذكر إلا هذه الأوراق المكومة المكرمشة الملوثة في جيوبنا!!

ثم أن الطفل يجد المكتبات العامة، واسعة، مريحة، مضاءة، أنيقة، والكتب من كل لون ومن كل حجم.. والطريق إليها نظيف.. بل ظهرت الحدائق الجميلة بأشجارها وممراتها ومقاعدها، وقفت نظيفة لامعة تحية لهذا القارئ الصغير وألوف القراء الذين يبنون مستقبل مصر على القراءة والعلم، وحب الكتب، واحترام المفكرين والعلماء، واحترام العقل والنور الإلهي الذي يتفجر في الكلمات!!

وإذا أحب الطفل المكتبة العامة، كان حريصاً على المكتبة الخاصة، فأصبح الكتاب ضرورة، والقراءة عادة، والتفكير أسلوباً، والصدق هدفا، والتقدم أملاً.. فينتشر الكتاب ويتضاعف المؤلفون..

والكلمة هي بداية الخلق والإبداع.. فالآية الأولى في التوراة تقول: في البدء كان الكلمة. والكلمة هي الله. والقرآن الكريم أول آياته تقول: اقرأ .. ومعناها فكر والتفكير يبدأ بالقراءة وحب القراءة ! وإذا كان الذي يفتح مدرسة يقفل سجناً، فإن الذي يفتح مدرسة يبني مستقبلاً، ففي البدء كانت الكلمة والكلمة في كتاب والكتاب في يد طفل.. ومستقبلنا في يده الأخرى!