مع فائق الاحترام

TT

رويت شتى النكات عن شتى الزعماء والرؤساء العرب من عبد الناصر الى صدام، ولكنني غضضت النظر عن عبد الكريم قاسم. فرغم كل ما قيل من قفشات عنه، فالعراقيون وانا منهم، ما زالوا يكنون له من الاحترام ما يمنعهم من التنكيت عليه. فما زال الشعار الشعبي يرن في آذاننا: «ماكو زعيم الا كريم!» وكل ذلك رغم ان الكاتب الساخر لا يتردد في التنكيت على احد عملا برأي معلمنا الجاحظ حين قال اذا وردتني النكتة فسأقولها ولو اودت بي في النار.

اول ما ورد في ذهني ما سمعته فعلا من المترجم الرسمي للزعيم الاوحد. كان معه عندما دخل احد الضباط، ربما وصفي طاهر، وقال له ان الناس متجمهرون في الطرق والازقة ينظرون الى القمر. لقد رأوا فيه صورتك. لا ادري إن كانت هذه اول مناسبة رأى فيها العرب صور زعمائهم على القمر. ولكن عبد الكريم قاسم هتف قائلا «صحيح؟» ثم وضع القلم على الطاولة واسرع خارجا الى الشرفة ليتفرج هو الآخر على صورته في القمر.

وهذا طبعا ما يفسر لماذا قرر احد المليونيرية الامريكان التوصية بثروته الى الزعيم الاوحد. قالوا ان ذلك المليونير ضاق ذرعا بغباوة ساسة العالم. فقرر البحث عن اغبى سياسي في الدنيا ليترك ثروته له. لم يكن بوش الابن قد تسلم بعد رئاسة الولايات المتحدة ليوفر ذلك الرجل على نفسه مشقة البحث. فخرج يبحث. ذهب الى الصين وروسيا وبريطانيا والتقى بسائر الساسة الاغبياء دون ان يفضل احدا منهم على الآخر. ولكن الخبراء نصحوه فقالوا له اذا كنت تبحث عن ذلك حقا فلا تضع وقتك. ما عليك غير ان تذهب الى الشرق الاوسط. ستجد ضالتك هناك ولا تخف. ففعل ذلك. جره البحث الى العراق. وصل بغداد فرأى الناس يسحلون جثة رجل في الطرقات ويرفسونها بأرجلهم ويمزقونها اربا اربا. سأل فقال من هذا الرجل المسكين؟ قالوا هذا رئيس حكومتنا السابقة. قال ومن هو رئيسكم الآن؟ قالوا عبد الكريم قاسم. قال دلوني عليه لأوصي له بكل ثروتي. يرى ما فعلوا بالحاكم السابق ويقبل تسلم الحكم! ليس في ذلك اي شك.

بيد ان جهاز التلفزيون تعطل في غرفة الزعيم الأوحد اثناء ذلك. فهب وصفي طاهر لينادي على احد المهندسين العسكريين لإصلاحه. ولكن عبد الكريم قاسم اوقفه عن ذلك. فقد كان عبد الكريم ضابط آليات وقال لمرافقه «ماكو داعي للمهندس. آني اصلحه». ففتح مؤخرة الجهاز وراح يعدل ويحرك باللمبات والادوات دون ان يفلح بشيء. اضطر اخيرا للإذعان والرضوخ للواقع. «يا الله نادي على المصلح الكهربائي». ونادى المرافق العقيد وصفي وجاء المصلح. فتح الغلاف وصاح غاضبا بعد اول نظرة سريعة على داخل التلفزيون: «ما هذا اي حمار مد يده هنا وخربط كل شيء؟».

www.kishtainiat.blogspot.com