«مافيا شيكاغو» في البيت الأبيض

TT

وعد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بالتعاون قدر المستطاع مع الرئيس المنتخب باراك اوباما لتوفير فترة انتقالية سلسلة.

منذ انتخابه وعيون العالم تتطلع الى اوباما المتوقع ان تكون سياسته تجاه الشرق الاوسط قريبة من سياسة الرئيس السابق بيل كلينتون. لكن قضيته الرئيسية كما اصبح معروفاً ستكون الاقتصاد ثم العراق حيث وعد بسحب القوات الاميركية خلال سنتين. ان التفكير بالعراق يمدد الانظار في اتجاه ايران، بعدها سيركز على افغانستان.

ثارت ردات فعل في الدول العربية عندما عين اوباما، رام ايمانويل رئيساً لموظفي البيت الابيض. ويشرح لي مصدر اميركي مطلع ان اوباما يعرف ايمانويل منذ سنوات، فالاثنان من شيكاغو، وهو ديموقراطي ويعرف كيف يعمل الكونغرس، وهو عضو فيه منذ ست سنوات. وكان عمل مع كلينتون، والإدارة الجديدة ستضم ما يُسمى «مافيا شيكاغو». والمعروف عن ايمانويل انه عنيد وشجاع.

اما عن رد الفعل العربي، فيقول محدثي: ان ايمانويل اميركي، عضو كونغرس، ثم انه لا يقرر سياسة الولايات المتحدة، الرئيس هو من يقرر ويعتمد على وزراء الدفاع والخارجية والخزانة وعلى مستشار الامن القومي والـ«سي. آي. إي»، «فليتوقف العرب عن التعبير عن ردود الفعل السلبية».

كل القضايا الموضوعة على قائمة اولويات ادارة اوباما، مرتبطة بطريقة ما بالسياسة الخارجية. ويعني الوضع الاقتصادي الاميركي ان يولي اوباما اهتماماً مميزاً للعلاقة مع الصين. هناك حاجة مستعجلة للسياسة الخارجية الاميركية للعمل عن كثب مع الصين التي تلعب دوراً اساسياً في استعادة الاقتصاد الأميركي عافيته. ولا توجد أي اشارة من ان الصين تميل الى استغلال الصعوبات الاميركية، بل على العكس.

وبسبب الظروف الصعبة وابرزها الانهيار المالي، وعن قناعة مسبقة، ليس هناك في الأفق خطر ان تُقدم إدارة اوباما على شن حرب جديدة، بل قد تعمل على القضاء على سياسة بوش الأحادية في اتخاذ القرارات الخطيرة وهذا يساعد على تخفيف التوتر في العالم.

لكن الرئيس الجديد، لن يكرر خطأ الرئيس ليندون جونسون الذي ورث حرب فيتنام وسمح لها بالسيطرة على فترة رئاسته كلها فدمرت بالتالي حياته السياسية. لقد غيّر انتخاب أوباما مجرى التاريخ، وهذا لا بد ان ينعكس على المجتمع الأميركي ولاحقاً على مجتمعات العالم.

لقد تلقت القيادة العسكرية الأميركية في بغداد اوامر بتصعيد حملاتها ضد «القاعدة» والمتمردين الشيعة، ويرغب المسؤولون في البنتاغون في ان يضمنوا استقراراً في العراق قبل أن يغادر الرئيس بوش البيت الابيض في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. ويقول المصدر الاميركي، «نريد تغييراً استراتيجياً في العراق قبل ان يدخل اوباما البيت الأبيض، نريد ان يشعر بأنه ورث عراقاً مستقراً ولا داعي بالتالي للاستعجال في سحب القوات او تقليص عددها بسرعة».

ان الكثير من خطط اوباما بالنسبة الى العراق يعتمد على العلاقة مع ايران، فهي تحدد استراتيجية الخروج الأميركي من هناك. وحسب مصادر موثوقة، فان اتصالات سرية قائمة حالياً بين الولايات المتحدة وايران. ولوحظ ان البيانات او التصريحات الايرانية لا تهاجم اوباما مباشرة، بل السياسة الأميركية في المنطقة.

هناك ميل ايراني الى خوض تجربة العلاقة مع اميركا، هذا اذا وافقت ادارة اوباما على مفاوضات شاملة واقتنعت واشنطن بنفوذ ايران الاقليمي. الخطوات قد تتسارع نحو التهدئة بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية في حزيران (يونيو) المقبل، وتقول مصادر اميركية، ان مكتباً للمصالح الاميركية في طهران سيُفتتح في الاسابيع القليلة المقبلة.

بالنسبة الى الحرب في افغانستان، سيدعم اوباما خطة قائد القيادة العسكرية المركزية الجنرال دايفيد بترايوس: «حملة تطهير شاملة ضد المقاتلين، تليها مفاوضات مع الطرف المتجاوب في «طالبان». ويعتمد نجاح استراتيجية الجنرال بترايوس على تعاون باكستان وعلى النوايا الطيبة لروسيا وإيران. كما يعتمد على دور مميز تقوم به السعودية في ممارسة نفوذها على «طالبان» (الطرف المتطلع إلى التسوية) وعلى القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية.

ليست هناك من مشكلة عند السعودية في التعامل مع إدارة أوباما، انما هناك عدة علاقات دولية على الإدارة الأميركية الجديدة ان تديرها بنجاح كي لا ترث حرباً أفغانية طويلة الأمد. عليها ان تنسق عن كثب مع الحلفاء الاوروبيين، وان تقنع الهند بأن مصالحها لن تتضرر اذا اختار اوباما ان يؤكد لروسيا بأن الولايات المتحدة لا تهددها.

هذا لا يُسقط ضرورة ان يعترف اوباما بالمصالح الأمنية الباكستانية في افغانستان التي تعني الحد من الوجود الهندي هناك. إذ ستُصر اسلام آباد على ألا يعمل محور كابول ـ دلهي ضد امنها انطلاقاً من الأراضي الافغانية.

ونصل الى الشرق الاوسط والى القضية الفلسطينية حيث وافق رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود اولمرت على ان تلتزم اسرائيل باقامة دولة فلسطينية، حتى بعد تخليه عن رئاسة الحكومة. وقد ناقش اولمرت مع وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس اثناء زيارتها الاخيرة، عدة التزامات ابرزها: انسحاب عسكري كبير من الضفة الغربية، فطلبت منه ان يقدم اقتراحات للانسحاب من مرتفعات الجولان أيضاً.

وكان اولمرت اظهر رغبة في مواصلة عملية السلام في الأشهر الاخيرة من رئاسته للحكومة، ذلك انه مثل الرئيس بوش، يفكر بإنقاذ ما يمكن من سمعتهما. ومن المتوقع ان يلتقي اولمرت الرئيس بوش في نهاية هذا الشهر، وهو كان طلب هذا اللقاء للبحث في اقامة الدولة الفلسطينية، والمفاوضات مع سوريا وبرنامج ايران النووي. وسيلتقي في تلك الرحلة الرئيس المنتخب ايضاً. وكانت ادارة بوش ادركت هذا الصيف ان اقامة الدولة المستقلة لن تتحقق مع بداية عام 2009، كما ان هذا الجمود سيستمر اشهراً اخرى نظراً للانتخابات الاسرائيلية المقبلة ولاستمرار الازمة بين السلطة الفلسطينية و«حماس».

فريق الشرق الاوسط من المستشارين المحيطين بالرئيس الاميركي المنتخب، يشجعون على الحوار مع سوريا. وعلى الرغم من الغارة الاميركية الاخيرة على الاراضي السورية بالقرب من الحدود مع العراق، فان تقارباً اميركياً ـ سورياً يتوقع مع بداية العام المقبل، وقد استعدت سوريا لذلك باقامة علاقات جيدة مع عدد من الدول الاوروبية واخرى في الشرق الاوسط على رأسها تركيا.

ستطلب ادارة اوباما التزاماً سورياً حاسماً باحترام استقلال وسيادة وحدود لبنان يتماشى مع قرارها اقامة علاقات ديبلوماسية لأول مرة مع لبنان منذ استقلال البلدين. ويقول مصدر اميركي: «ان انفتاحاً اميركياً على سوريا قد ينعكس استقراراً في لبنان، ويمكن ان يشجع على مصالحة ما بين فريق 14 آذار ودمشق».

من المؤكد ان تطلب ادارة اوباما من سوريا وقف دعمها لـ«حزب الله»، لكن هذا الطلب يتعارض مع الأهمية الاستراتيجية التي تنظر بها دمشق الى الحزب كحليف اساسي، وهي ستقترح بأن تكون جسراً للادارة الاميركية المقبلة لتشجع «حزب الله» على الاندماج في السياسة اللبنانية واقناعه بالتخلي عن الصراع مع اسرائيل، وهذا يتوقف على تطور العلاقة بين واشنطن وطهران.

اللبنانيون المتفائلون يرون ان تقارباً اميركياً ـ سورياً سيؤدي الى تقارب ما بين العلويين والسّنة في طرابلس، انما لن يحول دون لجوء بعض المتطرفين الى القيام بعمليات ارهابية في لبنان.

الواقعيون في لبنان يقولون، ان الهدوء في لبنان سيستمر حتى بداية عام 2009، عندما يبدأ السياسيون في التصارع على المقاعد النيابية: اذا فازت المعارضة فان استراتيجية الدفاع الوطني ستدمج مقاتلي «حزب الله» في الهيكلية العسكرية النظامية، وفي الوقت نفسه سيحصل «حزب الله» على نفوذ قوي في السياسة الخارجية والدفاعية. اما إذا فاز فريق 14 آذار فان الحكومة ستتمسك بتطبيق القرار الدولي 1559 القائل بتجريد اسلحة كل المجموعات المسلحة لتضغط على «حزب الله» عندها سيصر الحزب على اعتباره مقاومة، ولن يقبل بتسليم سلاحه الا اذا حصل في المقابل على سلطات سياسية اساسية.

لذلك، ما لم يحصل تغيير جذري في المنطقة، فان لبنان سيبقى اسير سلاح«حزب الله». وحتى يحين موعد التفات ادارة اوباما الى تفاصيل قضية الشرق الاوسط الاساسية، سيبقى لبنان بسبب سياسييه «ورقة» بيد اطراف كثيرة لن ينقذه منها اعترافه باستقلال ابخازيا او جنوب اوسيتيا، الا اذا كانت هاتان الدولتان حافزاً للبنانيين لتفرد كل فريق بمنطقته، وليس افساح المجال لدور روسي «يتناطح» فوق ارض لبنان مع الدور الأميركي. فلبنان دولة صغيرة لا تستطيع المشاركة في لعبة الأمم.