أوباما والعالم

TT

في أعقاب انتخابات عام 2004، قام أحد طلاب جامعة كاليفورنيا بإنشاء موقع على الإنترنت أسماه sorryeverybody.com والذي «كان بمثابة اعتذار للعالم على إعادة انتخاب جورج دبليو بوش كرئيس لولاية ثانية»، ودعا الأميركيين إلى عرض صورهم مع رسائلهم التي تحمل رسائلهم إلى العالم»، ولقيت تلك الدعوة استجابة واسعة من قبل آلاف الأميركيين. ففي إحدى الصور يقف رجل ممسكا بملاحظة دونها بخط يده مكتوب عليها «عذراً أيها العالم (فقد حاولنا)، وملاحظة في صورة أخرى مكتوب عليها «آسف أيها العالم، افتقدكم كثيرًا»، صورة ثالثة «عزيزي العالم، سوف أتحسن».

كانت تلك الاعتذارات كافية من منظور العالم فيما مضى، حيث اعتاد العالم على أن يحب الولايات المتحدة، لكن سمعة الولايات المتحدة تدهورت خلال أعوام إدارة بوش الثمانية. ففي استطلاع الرأي الذي أجرته بيو جلوبال أتتيودز بروجكت، كان 78% من الألمان ينظرون بإيجابية تجاه الولايات المتحدة عام 2000، وفي عام 2008 انخفضت تلك النسبة إلى 31%، كما انخفضت شعبية الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها في كل من بريطانيا من 83% إلى 53% وفي فرنسا من 62% إلى 42% وفي اليابان من77% إلى 50% وفي المكسيك من 68% إلى 47% وفي تركيا من 52% إلى 12%. لا تندهشوا أو تستاؤوا من عدم رضا العالم عن تلك الطريقة التي أدرنا بها شؤوننا في الأعوام الثمانية الماضية، فنحن أيضًا لم نرض عن تلك الطريقة التي سارت بها الأمور. فقد كشف أحدث استطلاعات الرأي الذي أجرته شبكة سي بي إس نيوز ونيويورك تايمز أن أكثر من 70% منا رفضوا أسلوب إدارة بوش، بينما أبدى 85% اعتقادهم أن بلادنا تنتهج أسلوباً خاطئاً».

وعلى الرغم من أن باراك أوباما سيواجه بإرث ضخم من المشكلات لدى توليه سدة الحكم، لكنه يمتلك ميزة كبيرة ما كان لماكين ليحصل عليها، إذ ان العالم يحبه وهو على استعداد مرة أخرى لكي يحب وطنه.

وقد وجدت مؤسسة بيو بروجكت في يونيو (حزيران) تزايد الثقة في قدرة باراك أوباما «بالتصرف بصورة صائبة تجاه القضايا العالمية» أكثر من ماكين، في كل من الدول الـ22 دولة التي أجري فيها الاستطلاع. ووجدت مؤسسة جالوب في استطلاع الرأي التي أجرته في 73 دولة ونشرت نتائجه في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) أن المواطنين على مستوى العالم يفضلون أوباما على ماكين بنسبة 1:3. وإذا ما استعرضنا صور الحشود المبتهجة في العواصم حول العالم، سنجد أن الفرحة العالمية بأوباما كانت كتلك الفرحة التي شهدها جرانت بارك في شيكاغو ليلة الثلاثاء، وكذلك رسائل التهنئة التي بعث بها قادة العالم إلى الرئيس المنتخب تبدو مثيرة للحماس ونادرة.

وينظر العالم إلى أن أوباما لديه الكثير ينتظره، فهو ليس جورج بوش، وليس جمهوريًا كما أنه ليس كلينتون أيضًا، فلم تلوثه أخطاء السياسة الخارجية لكلا الحزبين، كما أن أصوله العرقية المختلطة وروابطه الأسرية بالدول الأخرى (كينيا وإندونيسيا) ستقدم له منظورًا جديدًا تجاه الشؤون العالمية أكثر من أي رئيس آخر.

وقد وعد أوباما بالقضاء على انتهاكات حقوق الإنسان التي التصقت بما يسمى الحرب على الإرهاب، وإنهاء حرب العراق بصورة مسؤولة والاشتباك مع الأعداء والأصدقاء في إعادة صياغة الدبلوماسية الأميركية وقدرات إعادة البناء المدني، وكل الترتيبات التي تضمن لشعوب العالم التي سئمت من عقد مليء بالولع الأميركي للقتال غير المبرر، وكذلك للأجانب الخائفين من السياسة الخارجية الأميركية التي اتسمت إما بالصرامة أو بغرابة الأطوار. وقد كانت حملة أوباما الرئاسية المنظمة مؤكدة بعمق خاصة وأن منافسيه المخضرمين تساقطوا أمامه كالمبتدئين. وسيحاول قادة العالم، بدون شك، مد جسور الصداقة، التي كانت نادرًا ما تمد خلال فترة رئاسة بوش، إلى الولايات المتحدة، بدلاً من محاولة إيجاد طرائق لاختبار الرئيس أوباما خلال شهوره الأولى، وإذا ما تمكن أوباما من استغلال تلك النوايا الطيبة، فستكون هناك فرصة ثمينة تمكِّن إدارته من تحقيق تقدم حقيقي.

قد لا يستطيع أوباما إحلال السلام في العراق وسحب القوات خلال الأشهر الأولى من ولايته أو إنهاء النزاع العربي ـ الإسرائيلي بحلول مارس (آذار)، وقد لا يتمكن من إقناع إيران بالتحول عن التكنولوجيا النووية أو أن يقنع بن لادن بالتحول عن الإرهاب وفتح سلسلة من محلات الزهور بدلاً من ذلك. لكن إذا ما أدرج أوباما ضمن استراتيجية سياسته عشر الموهبة والابتكار والتنظيم الذي شهدته حملته، فسيتمكن من تحقيق تقدم حقيقي في عدد من القضايا الحساسة التي تتضمن خفض التهديد النووي والعلاقات مع روسيا والاستقرار في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وإذا ما سئلت عما هو الحال اليوم في موقع sorryeverybody.com ، هناك صورة لملاحظة بخط اليد من شخص تركي مكتوب فيها «لقد قبلنا الاعتذار! بفضل أوباما».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»