أوباما الأبيض.. في البيت الأسود

TT

وأخيرا دخل أوباما الأبيض الى البيت الاسود، وكتب الناس في انحاء العالم عن هذا الفوز الساحق، وهذا الرجل الباهر، ولكنهم في مجملهم صنفوه على انه اول رجل أسود يدخل الى البيت الأبيض، وأنا من وجهة نظري اعتقد عكس ذلك تماما، فهذا اول رجل ابيض يدخل الى البيت الاسود، فأوباما نشأ حياة بيضاء وولد من اسرة مكافحة بنت طريقها بصورة مشرفة بيضاء..

تعليمه كان أبيض..

شهد له اساتذته بأن كل ما فيه ابيض من سيرة وجدية وحسن خلق وقدرة على التعامل والحوار مع الآخر..

جامعتاه اللتان تخرج منهما «كولومبيا» و«هارفارد» شهدتا له بتلك السيرة البيضاء.

أثبت خلال عمله قبل ان يدخل الى السياسة بأنه ذو فكر ابيض ناصع وقلب أبيض ونظرة مشرقة الى الحياة واحترام الآخر..

المحامون الذين عمل معهم وزاملهم قدموا له الجوائز وشهدوا له بالاحترام، فكانت صفحته بيضاء..

كل هذا يدل على انه رجل أبيض، كل ما فيه ابيض أما هذا اللون فلا يقدم ولا يؤخر في هذا العصر الذي نحن فيه ورحم الله شاعرنا عندما قال:

ما قيمة المرء في لون يجمله

إلا الغواني ذوات البين والبان

ورأيي أن أوباما هذا الأبيض وتاريخه الناصع وبشرته القمحية السمراء دخل الى البيت الأبيض بعد ان سوده بوش وجعل كل ما فيه اسود:

قطع علاقة امريكا بالعالم..

هز اقتصاد بلاده وأساء الى سمعتها ومكانتها بين الشعوب..

أشاع نوعا من الكراهية للشعب الأمريكي الذي كانت شعوب العالم تحترمه وتقدره..

احتال على القوانين واستغل الثغرات وسجن المئات من الناس في جوانتانامو وعذبهم.

جاءت الكارثة الاقتصادية الأخيرة لتكون شاهدا على هذا السواد الذي لطخ به البيت الأبيض.

فمن هنا أقول إن أوباما رجل ابيض جاء الى البيت الاسود بعد ان سوّده بوش بكل افعاله.

وكذب الرئيس بوش، وخدع العالم وخدع شعبه، وركب موجة الضجيج الاعلامي، وانكشف اخيرا بعد ان أضر باقتصاد بلده بل واقتصاد العالم أجمع وعلاقات العالم بأمريكا هذه الدولة العظمى.

ومن ينظر بعمق في وصول أوباما الى منصب الرئيس الـ «44» للولايات المتحدة الأمريكية وبهذا الزخم الانتخابي وهذا الانتصار يحس بأنه قد جاء على جناح اقرا.. نعم لقد جاء أوباما على جناح إقرأ، وأنعم به من جناح، فكان لا بد له أن ينجح.. لأنه راهن ومنذ البدايات على قيمة وأهمية العلم والتعليم، فلم يخذلاه بل أهلاه ليتبوأ هذا المنصب الرفيع كأول رجل أسود يدخل البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة..

نعم فاز أوباما برغم كيد المتربصين والحاقدين والمرجفين من صقور الحرب وأعداء الحلم الأمريكي الأخضر بعالم يمضي على قدمين، تسوده الحرية والمحبة والديموقراطية والسلام، وتقوده أمريكا.. فاز أوباما رغم الحرب الشرسة التي تعرض لها والحملات المحمومة التي رافقت حملته الانتخابية والتي استهدفت التشكيك في عقيدته ووطنيته وقدراته.. تلك الحملات الترويعية التي استمرت حتى والناخبون يتوجهون نحو صناديق الاقتراع.. قالوا عنه وفيه ما لم يقله مالك في الخمر، ودفعوا الملايين من أجل الحيلولة بينه والوصول للبيت الأبيض، لكنه فاز وكان يجب أن يفوز ليقول لمن عادوه وحاربوه وشككوا في قدراته لأسباب عنصرية بحتة: إذهبوا فأنتم الطلقاء..

هذا هو باراك أوباما الذي لم يكن أحد يعرف حتى مجرد اسمه قبل عامين فقط من الآن، بل لم يكن أكثر الناس تفاؤلاً يتوقع حتى العام الماضي أن يصل رجل أسود إلى سدة الحكم رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل المنظور، فإذا بأوباما يحقق الحلم ويقهر المستحيل، ليصبح اسمه ما بين عشية وضحاها أنشودة وأهزوجة تتغنى بها الملايين من الشعوب المقهورة والمستضعفة في أمريكا وفي أفريقيا وآسيا وغيرها من بلاد الله الكثيرة..

جاء أوباما من غياهب التاريخ بعنفوان الشباب وشباب العنفوان لينتشل أمريكا من وهدة الشيخوخة التي كانت تسير إليها، إلى رحاب الصبا وزهو الشباب..

فالخامس من نوفمبر 2008م كان وسيظل يوما مشهوداً ليس في تاريخ الولايات المتحدة فحسب بل في تاريخ البشرية المتعطشة لعالم أفضل يسوده الحب والسلام.. لهذا كان هذا التاريخ علامة فارقة ومشرقة في موكب الحضارة الإنسانية، وسيتوقف الناس عنده طويلاً بالتحليل والدراسة والاكبار لاستلهام العبر والدروس.. كيف حدثت المعجزة؟ وكيف فاز هذا الفتى النحيل ذلك الفوز الكاسح الباهر، وهو القادم من رحم الفقر والحرمان، فأبوه حسين أوباما لم يورثه مالاً أو جاهاً ولكن أعطاه ما هو أهم وأغلى من ذلك ممثلا في ذكاء خارق متوقد وعزيمة لا تلين ونفس أبية لا تعرف المستحيل.. وتمكن ذلك الأب الكيني الأصل بفضل من الله وما حباه به من إيمان وذكاء، أن يفوز بمنحة مجانية للدراسة الجامعية في أمريكا.. وكانت ثمرة تلك المنحة الدراسية وزواجه من زميلته ستانلي آن الأمريكية البيضاء أن جاء إلى الوجود الصغير أوباما الذي يحمل بين جنبيه بعض ملامح القارة السمراء وكل أحلامها النبيلة في الحياة الحرة الكريمة والسلم والاستقرار..

لقد جلسنا طوال نهار ذلك اليوم البهيج نتابع، مشدوهين، أجهزة التلفاز وهي تنقل ذلك الحدث الرائع ومراسم الفرح والاحتفالات التي وحدت شعوب العالم عند إعلان فوز أوباما في الانتخابات الرئاسية.. شاهدنا جميعا ذلك الكرنفال المتحرك من الحب والإعجاب ومظاهر الفرح التي عمت الشوارع والمدن من بكين الصين إلى سان فرانسيسكو.. كل يعبر عن فرحته بطريقته الخاصة، حيث اختلطت وفي صورة قل أن تتكرر: دموع الفرح بالابتسامات والأهازيج والرقص العفوي وتبادل التهاني والقبلات.. شاهدنا كيف بكى القس جيسي جاكسون الذي شارف الثمانين وكأنه كان يسترجع كلمات آخر خطاب للدكتور مارتن لوثر كنج الذي ألقاه امام مسيرة الزحف الكبير أو المسيرة السلمية في العام 1964م وبدأه بعبارة «عندي حلم» «I have a dream»، وعندما قال على وجه التحديد:

«أحلم بهذا اليوم الذي يستطيع فيه أحفاد العبيد السابقين، وأحفاد السادة القدماء، أن يجلسوا على مائدة الأخوة، في التلال الحمراء لجورجيا، أحلم بذلك اليوم الذي سيعيش فيه أطفالي الأربعة في وطن لا يقيمون فيه بلون بشرتهم أو يُعيرون به.. ولكن يقيمون فيه بقدراتهم»..

ولعل جاكسون الذي كان يمني النفس بتحقيق حلم لوثر، جالت بخاطره في تلك اللحظات الكلمات الافتتاحية للوثر كنج من خطابه الشهير وهو يقول بصوت متهدج أضناه التعب وأثقلته الجراح: «اليوم نجتمع هنا مساء لكي نقول لمن استخف بنا طويلا، لقد تعبنا.. تعبنا من العنصرية، تعبنا من قسوة الظلم»..

وجاء أوباما، هذا الفتى العصامي القادم من غياهب المجهول ليقول للجموع وللعالم أجمع خلال أول لقاء له بالجماهير بعد إعلان فوزه الساحق: «إن دماء لنكولن وكنيدي ولوثر كنج ومالكولم إكس لن تضيع هباء.. وأن الولايات المتحدة التي أنجبت الأشرار من أعداء الحلم الأمريكي، هي نفسها التي أنجبت ماركوس قارفي وروزا باركس ومحمد علي كلاي وباراك أوباما وغيرهم من الشرفاء الذين أصبحوا أعلاماً يشار إليهم بالبنان في قافلة الحضارة البشرية..

نعم يبكي جاكسون فرحاً وحق له، فما تحقق في الولايات المتحدة خلال أقل من أربعين عاما هو شيء يشبه المعجزات..

لذلك وقف أوباما وبكل العزة والشموخ ليقول لمؤيديه ومعارضيه: إن آباء الجنود الأمريكيين الموجودين في العراق ينتظرون بفارغ الصبر عودة أبنائهم.. لا مكان اليوم وبعد اليوم للبغضاء والأحقاد وتصفية حسابات مضت عليها عشرات بل مئات السنين.. لا عودة للوراء والوطن فيه متسع للجميع وقد دقت ساعة العمل للتغيير، التغيير الذي اختاره أوباما شعاراً وإزارا ودثارا..

قال الرئيس الجديد للولايات المتحدة في أول خطاب له: «إن الأمريكيين بعثوا برسالة إلى العالم مفادها بأننا لم نكن مطلقاً مجرد مجموعة من الولايات الحمراء «لون الحزب الجمهوري» والولايات الزرقاء «شعار الحزب الديموقراطي»، بل كنا وسنظل دوماً الولايات المتحدة الأمريكية».. وأضاف: «إذا كان هناك من يشك بالحلم الأمريكي: فالأمريكيون بعثوا برسائل إلى العالم تقول: إننا لسنا مجموعة أشخاص من مختلف أنحاء العالم، بل إننا الولايات المتحدة الأمريكية».. وتابع يقول: «نحن نضع أقدامنا على عتبة التاريخ الليلة، بفضل ما حققناه ولقد وصل التغيير إلى أمريكا».. وركز أوباما في كلمته على التحديات الماثلة داخليا وخارجيا وهو يقول: «إن الطريق أمامنا طويل والمرتفعات عالية، حيث يعاني بلدنا من حربين وأسوأ أزمة مالية يشهدها في هذا القرن».. ولعله كان يشير بذلك إلى التركة المثقلة التي ورثها عن الرئيس جورج بوش الإبن..

وعموما فإن أهم المحطات، بل والدروس التي تستحق الوقوف عندها من افرازات هذه الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ما يلي:

1) هي أول انتخابات رئاسية أمريكية تحظى بمثل هذا الاهتمام العالمي وهذا الزخم الإعلامي، حيث ظلت العديد من القنوات حتى العربية تنقل الحدث مباشرة من واشنطن العاصمة والعديد من المدن الأمريكية بل والعالمية وعلى مدى يومين كاملين قبل بدء إدلاء الناخبين بأصواتهم وحتى بعد إعلان النتائج بعدة ساعات..

2) استطاع أوباما الفوز بعدد من الولايات المعروفة بولائها التاريخي والتقليدي للجمهوريين وعلى رأسها ولايتا فلوريدا وأوهايو، وهذا تحول مهم في خارطة الولاءات السياسية والحزبية ودليل حي على الرقي والفهم المتقدم للناخب الأمريكي والشعب الأمريكي الذي وضح جلياً أنه شعب يجيد القراءة ويحبها ويعرف كيف يميز بين العام والخاص، الغث والسمين، فيدلي بصوته لمن يتوسم فيه الكفاءة والقدرة على حل مشكلاته الحياتية ومن يقدم برنامجاً طموحاً بواقعية يلبي تطلعات رجل الشارع الأمريكي العادي وليس من يقدم الوعود الزائفة البراقة.. وقد أثبتت هذه الانتخابات والنتائج التي أسفرت عنها قمة الوعي والتحضر حيث أصبح الولاء للوطن هو المقدم على غيره من الولاءات، حزبية كانت أم جهوية، عقائدية كانت أو عنصرية.. وهذا هو بيت القصيد، وقد نتج عن ذلك أن حقق أوباما فوزا كاسحا على منافسه الجمهوري جون ماكين، لم يحققه رئيس آخر خلال العقدين الماضيين.. ولعل الغريب واللافت، وحتى إذا افترضنا أن السود الأمريكيين الذين شاركوا في العملية الانتخابية أعطوا كل حصتهم التصويتية لأوباما، فإن هذه الحصة وهي لا تزيد أصلا عن 12 مليون ناخب ما كانت لتكفي وحدها لفوزه لأنها تعادل فقط نسبة 20 ـ 22% من إجمالي الأصوات التي حصل عليها أوباما فعليا، ما يعني أن شرائح أخرى كثيرة ساهمت في فوز أوباما ولعل أهمها أنه استطاع أن يستقطب إليه معظم أفراد الأقليات العرقية المضطهدة والمهمشة أو المغيبة، أمثال الهنود الحمر والمهاجرين الجدد والهسبانيك، علاوة على منسوبي الطبقتين المتوسطة والفقيرة وشريحة ما دون الطبقات، بل ولعل الأغرب من ذلك استطاع أوباما أن يجتذب إليه مئات الآلاف من الناخبين الجمهوريين وبعضهم شغل مناصب دستورية رفيعة، أمثال كولن باول وغيره.. لهذا، ولعل من نافلة القول التذكير أيضا بأن أوباما تفوق على منافسه الجمهوري جون ماكين بأكثر من أربعة ملايين صوت وبأكثر من 320 صوتا في المجموع الانتخابي مقابل نحو 145 صوتا لماكين، وهذا ما لم يتوقعه أحد حتى استطلاعات الرأي التي جرت في اللحظات الأخيرة قبل بدء عملية الاقتراع..

3) أصحبت الولايات المتحدة حتى قبل إعلان نتائج هذه الانتخابات الأخيرة هي بحق بلد الفرص المتساوية، كما صرح بذلك أوباما قبيل وبعد فوزه، ولعلها بذلك قدمت النموذج والمثل الأعلى لدول أوروبية كثيرة تفوقها عراقة وتبجحا بالنهج الديموقراطي، لكنها لا تستطيع أن تقبل وحتى الآن مجرد فكرة رئيس أسود حتى لو جاء عن طريق صناديق الاقتراع..

4) قدمت الولايات المتحدة الأمريكية درساً بليغاً وأنموذجاً رائعاً لدول العالم وشعوبه في كيفية التعاطي الراقي مع المسألة الانتخابية بروح مفعمة بالوعي والتحضر والتسامح.. لقد انطلق أوباما وبسرعة الصاروخ من العدم، ومن عالم اللا شيء، في الأحياء الفقيرة للسود التي يطلقون عليها إسم الجيتوز.. ليصبح اسمه ما بين يوم وليلة على كل لسان..

لقد احتاجت الولايات المتحدة لأكثر من مائة عام، بعد استقلالها عن بريطانيا في 1775م، لتمنح الرقيق حريتهم من خلال القرار التاريخي الشجاع الذي أصدره الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن في العام 1862م ليدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير 1863م، ذلك القرار الذي أدى لنشوب الحرب الأهلية الأمريكية عندما أعلنت الولايات الجنوبية انفصالها عن ولايات الشمال التي كانت تناصر تحرير الرقيق واستمرت تلك الحرب أكثر من أربع سنوات حصدت خلالها مئات الآلاف من الأرواح.. واحتاجت حركة التحرر والحصول على الحقوق المدنية للسود لأكثر من مائة عام أخرى (1863م ـ 1968م) للقضاء على مظاهر التمييز العنصري «النظامي والمستتر» التي حلت بديلا لنظام الرق والعبودية الملغي وذلك باصدار قانون الحقوق المدنية للسود في العام 1968م.. ذلك القانون الذي غير وجه الحياة في أمريكا وإن لم يقض على كل مظاهر التفرقة العنصرية المتأصلة في العقول والنفوس والتي ظلت جرحا غائرا في لحمة النسيج الاجتماعي الأمريكي..

وكان المتوقع والمنتظر أن تنتظر الولايات المتحدة على الأقل مائة عام أخرى اعتبارا من العام 1968م حتى يتحقق الحلم والخطوة الأخيرة في مسيرة «إذا الشعب يوما أراد الحياة»، بانتخاب رجل أسود رئيسا للولايات المتحدة.. هكذا يقول المنطق وتقول حركة التاريخ ولكن.. حدثت المعجزة وفاز أوباما بعد أربعين سنة بالضبط من تاريخ التوقيع على قانون الحقوق المدنية الكاملة للسود.. فكيف ولماذا حدثت هذه المعجزة ؟؟

فيما يلي أحاول الإجابة على هذا السؤال وأبدأ أولا بالقول: إن التوفيق من الله تعالى أولا وأخيرا، وهو جل وعلا صاحب الأمر والشأن، وإن أراد شيئا أن يقول له كُنْ فيكون..

ثانيا: أوباما، وكما ذكرت سابقا، جاء على جناح اقرأ، لكن وكما هو معلوم فإن التعليم ومهما ارتقى الفرد فيه لا يكفي وحده ولا يرتقي بصاحبه تلقائيا إلى الدرجات العُلا ما لم يرافقه الطموح والعزيمة والإرادة القوية والذكاء واستغلال الفرص المتاحة، وعلاوة على ذلك الالتزام بمكارم الأخلاق، وكل هذه الصفات الفطرية والمكتسبة توفرت أو توفر معظمها على الأقل في شخصية باراك أوباما، وزاد عليها حلاوة اللسان والموهبة الشعرية والشخصية الكارزمية «الجماهيرية والجذابة»، ثم لونه الأسمر الذي امتزج فيه الشرق بالغرب، علاوة على شبابه الغض ومقدرته الفائقة على تحريك المشاعر، وكأنه قادم من الزمن الجميل ليذكر الناس بالعظماء أمثال لنكولن، ولعل من غرائب الصدف أن هناك الكثير الذي يجمع بين الرجلين من حيث السحنة وحتى مجال العمل، فكلاهما طويل نحيف، وكلاهما عمل في مجال المحاماة والقانون قبل انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وهذا في حد ذاته يدعونا لرفع الأكف بالدعاء ألا يكون مصيره كمصير لنكولن..

ثالثا: هذا الفوز جاء ايضا نتيجة طبيعية للمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ظلت تعيشه الولايات المتحدة منذ سنوات والذي بلغ ذروته مؤخرا من خلال الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد الأمريكي في مقتل وعجّلت بنهاية جورج بوش وحزبه الجمهوري الذي قد لا تقوم له قائمة عن قريب بسبب السياسات الرعناء التي انتهجها والتي أوردت الولايات المتحدة موارد التهلكة وأضرت بسمعتها وصورتها في العالم الخارجي وبدرجة لا يمكن إعادتها لما كانت عليه إلا بمجهودات خرافية وخاصة فيما يتعلق بحربي العراق وافغانستان ومعتقلات غوانتنامو وغيرها..

رابعا: فاز أوباما لأنه قدم خلال حملته الانتخابية برنامجا طموحا بواقعية للاصلاح الاقتصادي والاعفاءات الضريبية منحازا إلى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وأيضا شريحة ما دون الطبقات من سكان الجيتوز وهي الاحياء الفقيرة في ضواحي المدن، وهؤلاء يمثلون نسبة 80% على الأقل من التركيبة الديموغرافية للولايات المتحدة، ولعله وفي أول خطاب رسمي له بعد تتويجه رئيسا أعلن أن كل من لا يتجاوز دخله السنوي 250 ألف دولار لن يخضع لضريبة الدخل..

خامسا: أوباما رفع شعار التغيير والإصلاح فكان لا بد أن يستجيب له الملايين وخاصة من الشباب والمسحوقين من فئات المجتمع علاوة على الاقليات المضطهدة كما ذكرت سابقا.. لا سيما أن أوباما جاء من صميم الشارع الأمريكي العادي، محمولا على صهوة العلم والفكر والتجديد والشباب وليس على أكتاف المال والجاه والسلطان.. جاء أوباما ليقول للجميع إنه سليل المجد عن مارتن لوثر وكنيدي ومالكولم إكس وغارفي ولنكولن..

سادسا، وأخيرا: فوز أوباما جاء نتيجة لانحياز الشارع الأمريكي بمختلف ألوان طيفه لعنصر الشباب والتغيير والوسامة.. ولعل لونه قد ساعده أيضا إذ أن الكثيرين من الذين أعطوه أصواتهم فعلوا ذلك بتأنيب من الضمير والشعور بعقدة الذنب تجاه السود وتكفيراً عما ارتكبه الأجداد بحق الزنوج..

ولئن كان من كلمة أخيرة فإنني اقول إن بوش خدم أوباما من حيث لا يدري، وحطم جوانب كثيرة من جوانب حزبه الجمهوري، كما انني ألفت نظر هؤلاء الذين ينتظرون من أوباما الخوارق قائلا: «يجب ألا تتوقعوا منه الكثير أو تغييرا فوريا في السياسات الأمريكية، لأن هذه السياسات لا تتغير بتغير الرؤساء، وما بين يوم وليلة.. يكفي أن يعمل على تحسين صورة أمريكا في الخارج أولا وينصرف لقضايا المواطن الأمريكي في نفس الوقت.. امنحوا الفرصة للرجل وأصبروا عليه، فالتركة ثقيلة والطريق شائك وطويل»..

وعلينا في العالمين العربي والإسلامي في آسيا وأفريقيا، وكل دول العالم المحبة للسلام، أن نرفع الأكف بالدعاء له بالتوفيق على طريق الحق والخير.