أفول مؤسسة الـ«واسب»

TT

المحللون والمراقبون ووسائل الإعلام العربية والعالمية لم يقصروا قيد أنملة في استخلاص العبر من وصول «المرشح الاسود» الى «البيت الابيض» في انتخابات لم يكن خافيا أن الهم الطاغي فيها على أذهان معظم الاميركيين كان الخلاص من تراث اليمين الجمهوري ومن جوقة «النيو ـ محافظين» المتحلقة حول جورج بوش.

قد يكون السؤال الكبير غداة معركة الرئاسة الاميركية هو: هل أوباما هو الرابح أم بوش هو الخاسر؟

مع ذلك، لا جدال في أن باراك أوباما استحق ان يكون «خشبة خلاص» الاميركيين من عهد جورج بوش وتجاوزاته على حقوقهم الفردية والعامة.

إلا أن الظاهرة اللافتة في نتيجة المعركة هي تمثيلها، وللمرة الاولى، لذلك التحول المستجد على خريطة الناخبين الاميركيين بحيث يصح الاستنتاج ان باراك اوباما كان خيار الاقليات الاميركية السوداء والسمراء وليس الأكثرية البيضاء، علما بأن هذه الظاهرة تأخذ بعدا مستقبليا لا تخفى دلالاته السياسية لاقترانها بظاهرة أخرى قد لا تكون ظرفية: تفضيل الجيل الجديد من الناخبين الاميركيين للسياسات الليبرالية التي طرحها أوباما على النهج المحافظ للجمهوريين.

وبالعودة الى الاحصاءات الانتخابية الاميركية يتضح أن 43 في المائة فقط من الاميركيين البيض صوتوا لاوباما مقابل 55 بالمائة منحوا اصواتهم لجون ماكين.

وعلى صعيد الناخبين السود، صوت 95 في المائة منهم لأوباما مقابل 4 في المائة فقط لجون ماكين. أما الناخبون من الاصول الاسبانية فقد منح 66 بالمائة منهم أصواتهم لأوباما مقابل 31 بالمائة فقط لجون ماكين. ولولا الجالية الكوبية في ولاية فلوريدا المعادية لنظام كاسترو، واليمينية التوجه بحكم هذا الوضع، لكانت نسبة مؤيدي اوباما في اوساط الاقلية الاسبانية الاصول أعلى من ذلك بكثير.

وعلى صعيد الاعمار أثبتت هذه الاحصاءات أن ثلثي الناخبين الاميركيين الذين تقل اعمارهم عن 30 سنة اقترعوا لاوباما مقابل الثلث فقط لماكين.

عمليا، ما كشفته الانتخابات الرئاسية الاميركية عام 2008 هو مقدرة الاقلية السوداء (ونسبتها نحو 12 في المائة من المقترعين) والاقلية الاسبانية الاصول «اللاتينو» (ونسبتها توازي ايضا الـ12 في المائة)، أي ربع مجموع الناخبين الاميركيين، على تحديد وجهة المعركة الانتخابية باقبالها الكثيف على صناديق الاقتراع.

على ضوء هذه الخلفية لا يبدو أن المحافظين، ممثلين بالحزب الجمهوري، خسروا رئاسة الولايات المتحدة وبضعة مقاعد في الكونغرس فحسب، بل خسروا جيلا كاملا من المقترعين وأقليتين مؤثرتين: السود و«اللاتينو»...الامر الذي يبرر التساؤل عما إذا كان الحدث الأبرز في انتخابات الرئاسة الاميركية الاخيرة هو فوز الحزب الديمقراطي أم بداية أفول المؤسسة «الانكلو ـ ساكسونية البروتستانتية البيضاء» – المعروفة بمؤسسة الـWASP ـ التي تتحكم تقليديا بالقرار الأميركي وبالتالي ما إذا كانت انتخابات العام 2008 بداية تحول الولايات المتحدة من ديمقراطية بيضاء الى ديمقراطية الاقليات الاثنية الاكثر ليبرالية من «السلف الصالح» والأكثر انفتاحاً على «التعددية الدولية»، إن صح التعبير.

ما حدث في عام 2008 لا يبدو حالة استثنائية بقدر ما هو مؤشر لما يمكن توقعه في السنوات المقبلة، خصوصا أن التحول المستجد على الخريطة الاثنية في الولايات المتحدة مرشح لتعزيز موقعي الاقليتين السوداء والسمراء كنتيجة مباشرة للزيادة المطردة في أعداد المهاجرين الجدد من دول أميركا الجنوبية ولمعدل الولادات المرتفع في اوساط هاتين الاقليتين.

قد لا يكون بعيدا ذلك اليوم الذي سيشهد انسحاب هذا التبدل المتسارع في «لون» الناخب الأميركي على اللون السياسي لكل من البيت الابيض والكونغرس...

وهنا يحق التساؤل عما إذا كان «اللوبي العربي» ـ في حال وجوده في الولايات المتحدة ـ قد استخلص العبر الانتخابية من معركة الرئاسة الاميركية الاخيرة وقوّم الاحتمالات المتاحة لتسويق القضية الفلسطينية في أوساط القوتين الناشئتين على الساحة السياسية الأميركية؟