مخاطر اختبار أوباما

TT

يدور معظم الحديث السياسي في الوقت الحالي حول سؤال واحد: متى سيتم اختبار باراك أوباما كرئيس جديد للولايات المتحدة؟

طرحت فكرة اختبار أوباما في بداية فترته الرئاسية لأول مرة على لسان مرشحه لمنصب نائب الرئيس جوزيف بايدن، قبل يوم الانتخابات. ومنذ ذلك الحين، دار الهمس في العالم السياسي المصغر حول النظريات المتعلقة بمتى وأين وكيف وفي أية قضية سيتجسد الاختبار المتوقع.

بصورة ما، بدأ اختبار أوباما بعد فوزه في الانتخابات بيومين، عندما أعلن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إنشاء نظام صاروخي جديد في كالينينغراد، وهي مدينة روسية بين بولندا وليتوانيا. وجاءت خطوة ميدفيديف كرد فعل على الخطط الأميركية بإقامة نظام دفاع صاروخي في بولندا وجمهورية التشيك. وأظهرت الخطوة أن الروس يعتقدون أن أوباما من السهل تخويفه عن بوش. وبدأ اختبار آخر لأوباما أيضا في العراق، مع وقوع الهجمات الانتحارية من جديد. وأيا من كان خلف موجة الإرهاب الجديدة، فمن الواضح أنه يحاول أن يدفع أوباما إلى الإسراع بتنفيذ وعده بالانسحاب. ولا يقف اختبار أوباما عند حدود الخصوم الروس أو الأعداء الأصوليين. فيحاول بعض حلفاء الولايات المتحدة أيضا اكتشاف بعضٍ من سياسات أوباما. ففي خطاب ألقاه في الاجتماع السنوي بلندن الأسبوع الحالي، أصدر رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون تحذيرا لأوباما من أن يواصل شعارات حماية المصالح التي كان يستخدمها أثناء الحملة الانتخابية. ومن جانبه، ركز الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على ما اعتبره أوهام أوباما بإمكانية عقد اتفاق مع أتباع الخميني في طهران. وفي تعليقات، نشرت الأسبوع الماضي، حذر ساركوزي أوباما من الاستخفاف بخطورة امتلاك نظام الخميني قنبلة نووية. وفي سياق مختلف، أرسلت كندا رسالة غير مرحبة بدعوة أوباما لإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وتخطط أوتاوا لسحب قواتها المشاركة بحلول نهاية العام المقبل. وأرسلت ألمانيا برسالتها الخاصة، في شأن إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان: الجمهورية الفيدرالية ليست مستعدة لزيادة حجم القوات المشاركة وليست لديها نية لجعل الجنود الألمان يقاتلون في حرب أجنبية، كما طلب أوباما.

وفيما يتعلق بأعداء أميركا، كان اختبارهم لأوباما مزيجا من التهديدات والوعود. فأرسل الرئيس محمود أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية برقية تهنئة غير مسبوقة إلى أوباما، ملوحا بغصن الزيتون. ولكن في الوقت نفسه، طلب تغييرا بـ180 درجة في السياسة الخارجية الأميركية. وقام خالد مشعل، «المرشد الأعلى» لحماس، بخطوة مماثلة بالإشارة إلى «استعداده» لمقابلة أوباما. وكذلك يظهر الجدل الدائر في مدونات الإرهاب في غموض مشابه. وتصاحب الترحيب الحذر بأوباما مع تهديدات بوقوع هجمات على الولايات المتحدة على نطاق أكثر تدميرا من أحداث 11/9. وفي بعض الحالات، أراد المختبِرون كسب بعض الميزات التكتيكية. ولكن في المجمل، كانت الاختبارات تجد رد فعل ساحق من الولايات المتحدة، لتلحق هزيمة استراتيجية بالبادئين.

في أثناء فترة رئاسة جون كينيدي، اختبره السوفييت بإنشاء قاعدة صواريخ نووية في كوبا. وفاز الروس بتلك الجولة بإجبار كينيدي على ضمان سلامة نظام كاسترو، وإزالة قواعد الصواريخ الأميركية من تركيا، والاعتراف بالاتحاد السوفييتي كشريك متساوٍ مع الآثار المترتبة على ذلك من تكافؤ أخلاقي. ولكن ساعد التراجع التكتيكي الأميركي على إيجاد إجماع وطني من أجل تنفيذ برنامج إعادة تسليح علمي وتكنولوجي هائل رمز إليه إرسال أول رجل إلى القمر. بعد ذلك، فقد الاتحاد السوفييتي الأمل في تحقيق التكافؤ العسكري الذي كان يحتاج إليه لدفن النظام الرأسمالي كما وعد خوروتشوف. وبعيدا عن إجبار الأميركيين على التقوقع على ذاتهم في نصف الكرة الأرضية، أعادت الأزمة الكوبية الحديث عن «التهديد الأحمر»، ليؤدي الأمر بكينيدي إلى أن تخوض أميركا حرب فيتنام. انتصرت الولايات المتحدة في الجانب العسكري من حرب فيتنام، ولكنها خسرت الجانب السياسي، لأن أغلبية الأميركيين ظنوا أن تلك الحرب ليست حربهم. وعلى الرغم من ذلك، سمحت حرب فيتنام للولايات المتحدة بإنشاء أقوى وأكثر الأجهزة العسكرية خبرة في التاريخ، وهو الذي استخدمته لتصبح القوى العظمى الوحيدة في العالم في الجيل التالي. وكان الرئيس التالي الذي كان شابا بلا خبرة وخضع للاختبار هو جيمي كارتر. وكان انتصار ثورة الخميني في إيران بمساعدة العرب الذين يدعمهم السوفييت والمنظمات الإيرانية الإرهابية ضربة خطيرة. وبعد عدة أشهر، كانت الضربة الأخرى بمحاصرة السفارة الأميركية في طهران وأزمة احتجاز الرهائن التي استمرت لمدة 444 يوما. وقال الخميني: «تصرف كارتر وكأنه دجاجة بلا رأس». ووصلت الرسالة بأن «الأميركيين لا يمكنهم القيام بأي شيء لعين»، مع الغزو الروسي واحتلاله لأفغانستان. وتحت رئاسة كارتر، كانت الولايات المتحدة تعاني أيضا من هزائم تكتيكية مخزية في أفريقيا وأميركا اللاتينية. ولكن، مهدت تلك الهزائم الطريق أمام رونالد ريغان وإستراتيجيته لـ«دحر إمبراطورية الشر». لو لم يختبر كارتر، لما كانت الولايات المتحدة انتخبت شخصا مثل ريغان، الراديكالي الذي قدم خطة ثورية للناخبين المعتدلين.

في التسعينات، اختبرت حركة الإرهاب بيل كلينتون، وكان رئيسا أميركيا آخر في سن الشباب وبلا خبرات. وأظهرت أحداث مثل مجزرة قوات المارينز في مقديشو، والهجوم الذي وقع على مركز التجارة العالمي عام 1993، والهجوم الذي وقع على السفارتين الأميركيتين في شرق أفريقيا، في كينيا وتانزانيا والعملية الانتحارية التي استهدفت المدمرة «يو.إس.إس كول»، أن كلينتون غيرُ راغبٍ في الرد على الهجوم. وذلك بدوره ساعد على ضمان نجاح جورج بوش في الانتخابات، حيث لن يكون الشخص الذي يدير خده الآخر. واختبر بوش في أحداث 11/9، التي لا يمكن لأي رئيس أميركي أن يتفاداها. وفازت «القاعدة» بنصر تكتيكي، ولكن تأكدت هزيمتها الإستراتيجية. وتأتي النصيحة الميكافيلية لأعداء أميركا بعدم اختبار أوباما، ولكن بتشجيع أوهامه بأنه يستطيع تحويل أعدائه إلى أصدقاء بمجرد الحديث معهم. إذا وضع أوباما تحت اختبار بطريقة لا يمكن تفاديها، إما سيُجبَرُ على اتخاذ رد فعل، أو سيواجه مصير كارتر أو سيفقد السيطرة على الكونغرس ومجلس الشيوخ كما حدث مع كلينتون. يجب أن يفكر أعداء أميركا مرتين قبل أن يحاولوا اختبار أوباما.