بداية جديدة مع أوباما

TT

مساء يوم الثلاثاء الماضي، سرت بمحاذاة البيت الأبيض وأسندت جسدي على السياج المحيط به، وراودني التساؤل حول كيف يدفع مثل هذا المبنى الجميل الكثير من قاطنيه إلى حافة البلاهة؟ أثناء وقوفي، لم أتمكن من معرفة ما إذا كان بوش موجودا بالداخل يتحدث إلى إحدى الصور المعلقة على الحائط، أو ما إذا كانت تلك الصور قد اكتسبت القدرة على الاختفاء للفرار منه إذا ما شرع في مضايقتها بالحديث عن الإرث الذي يخلفه وراءه. وقريباً، ستنتقل ابنتا أوباما وبحوزتهما ألعابهما والدمى الخاصة بهما للعيش في البيت الأبيض. ويبدو أن بنتي أوباما من نوعية الأطفال بحيث قد يشعران بالمرح هنا، وأن يجدا متعة في التجول في أرجاء المنزل مع والدهما العاشق للتاريخ.

وفي الحقيقة، لقد شعرت بالصدمة أثناء فترة الحملات الانتخابية الرئاسية ـ لكن ذلك لم يكن جراء العنصرية الفاضحة التي تعرض لها باراك أوباما، ولإصرار هيلاري كلينتون أمام مندوبي الحزب بقولها: «لا ينبغي أن يفوز»، وإنما لذلك الاستعداد الكبير من قبل بعض الأشخاص الذين لم يجدوا حرجاً في الإشارة إليهم بأسمائهم في صحيفة نيويورك تايمز عند إدلائهم بتعليقات كريهة، مثل القول بأن الرئيس أوباما سيحول البيت الأبيض إلى البيت الأسود.

وفي واقع الأمر، فإن أوباما، بأناقته ولباقته ـ والذي لا ينتمي إلى تجربة الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، إلا أنه رغم ذلك اعتنق هذه التجربة واحتضنته هي ـ أمامه فرصة كي يعيد إلى البيت الأبيض بهاءه. بيد أن تلك الآثار فقدت بهاءها خلال السنوات الأخيرة، فكيف يمكن للبيت الأبيض الاحتفاظ بمكانته الرفيعة عندما يحوله آل كلينتون إلى فندق يجمعون بداخله التبرعات، ويستغله كلينتون كمكان للقاءاته الغرامية؟ وكيف يمكن أن يعمل البيت الأبيض كمصدر إلهام عندما يعمل بوش ونائبه تشيني بداخله على إضفاء الطابع القانوني على عمليات التعذيب والتجسس، وخداع الشعب الأميركي من خلال تلفيق أدلة تبرر شن الحرب والتخطيط لكيفية تعزيز ثروات أصدقائهما بصناعة النفط والغاز الطبيعي؟ وكيف يمكن أن يترك النصب التذكاري لأبراهام لينكولن تأثيراً في النفوس ـ وعبارته الشهيرة «لا نضمر شراً لأحد، ونُكن الخير للجميع» ـ عندما يترك المسؤولون الأحياء التي يسكنها الأميركيون من أصول أفريقية تغرق، في الوقت الذي يمارس فيه الرئيس رياضة تسلق الجبال؟

وكيف يمكن لإدارة السجلات الوطنية، التي تضم الدستور في جنباتها، الاحتفاظ بقيمتها الكبرى إذا كان الرئيس ونائبه يعكفان على إعادة صياغة الدستور؟

وكيف يمكن للنصب التذكاري لحرب فيتنام أن يترك تأثيراً قوياً في النفوس إذا كان من هم في السلطة يكررون أخطاء فيتنام من جديد؟

كيف يمكن للنصب التذكاري لفرانكلين دي روزفلت أن يثير في النفوس مشاعر حماس وتفاؤل في وقت تعكس فيه كلمات روزفلت في خطاب تنصيبه الثاني رئيساً للبلاد: «أرى ثلث الأمة يعاني من تدني في السكن والملبس والمأكل»، حاضرنا المثير للإحباط؟ وبالنسبة لأوباما، فقد تميز الخطاب الذي أدلى به في شيكاغو بقدر بالغ من البساطة والوضوح وأظهر أنه يدرك جيداً ما هو مُقدم عليه. وبدت تصرفاته وكأنها اكتسبت ثقلاً، كما لو أنه بدأ بالفعل يعاني من العزلة و«التعاسة الرائعة»، حسبما وصفها جيفرسون، التي يفرضها المنصب الذي فاز به لتوه من لحظات قليلة. وجاء خبر إعلان فوز أوباما ليثير فرحة عارمة في نفوس الأميركيين الذين رقصوا وغنوا ابتهاجاً بالمناسبة.

وفي خضم هذا النصر الاستثنائي الذي جاء رغماً عن الكثير من الشكوك والهجمات المحمومة، بل ورغم اسمه الأوسط، بدا أوباما وحيداً.

وتحدث أوباما حول كيف ينبغي أن يستجمع كل شخص رباطة جأشه و«يقاوم إغواء التردي في التشيع لحزب بعينه والتفاهة وغياب النضج الذي سمم حياتنا السياسية على امتداد فترة طويلة». وأعلن أوباما «تواضعه»، لكننا سبق أن سمعنا هذا الحديث من قبل من بوش، وانظروا إلى ما آل إليه الحال الآن. وتعهد أوباما بأن يكون رئيساً لكل من عارضوه، واستشهد بعبارة للينكولن، مثله السياسي الأعلى والرجل الذي وضع نهاية العبودية: «لسنا أعداء، وإنما أصدقاء ـ ورغم أن الانفعال ربما يكون أضفى توتراً على روابط صداقتنا، فإنه لا ينبغي له السماح بتدميرها».

ومع شروعنا في بداية جديدة مع أستاذ للقانون الدستوري وسيناتور ينتمي لمسقط رأس لينكولن، ربما يبدأ النصب التذكاري للينكولن في استعادة بريقه مجدداً.

وربما أحتفل بهذه اللحظة بالذهاب إلى النصب والجلوس على فخذ لينكولن. ورغم أن ذلك العمل يُعاقب عليه القانون بغرامة قدرها 50 دولاراً، فإن المناسبة تستحق تكبد هذا العقاب.

* خدمة نيويورك تايمز