الأرباح التي نجنيها من فوز أوباما

TT

أميركا ليست مجرد مكان، فعندما تكون في أفضل أحوالها تمثل فكرة أيضا.

عندما أُجبر والدي على مغادرة وطنه في أوروبا الشرقية في الحرب العالمية الثانية، استقر في البداية في فرنسا. ولكن لم توفر فرنسا أية فرصة من أجل اللاجئين الفقراء، لذا سعى والدي إلى مكان آخر له ولأبنائه فانتقل إلى معسكر في أوريغون من أجل تعلم اللغة الإنجليزية والبدء في حياة جديدة. وما جذبه لم يكن العيش في أميركا، ولكن فكرة أميركا ذاتها.

لقد كنا نحن معشر الأميركيين على نحو دوري ننتهك فكرة المساواة والفرص، ولكن مساء يوم4 نوفمبر (تشرين الثاني) أعدنا بث الروح في هذه الفكرة. وقد دعوت القراء للمشاركة بأفكارهم حول انتخاب باراك أوباما على مدونتي، nytimes.com/ontheground، وكانت النتيجة عددا كبيرا من الرسائل الواردة من كل أرجاء الأرض.

شاهدت جيسيكا النتائج في حانة في كيب تاون وكتبت: «للمرة الأولى في الذاكرة الحديثة، يمكنني أن أصرخ في الشوارع وأقول أنا أميركية وأن أشعر بالفخر بالتقدم والأمل واللون الذي نتميز به الآن». في سويسرا، تلقى مواطن أميركي رسائل تهاني غامرة تُشبه الانتخابات بسقوط سور برلين. وفي كينيا، ارتدى أميركي اسمه توم قميصا عليه صورة لأوباما، ووجد أن طريقه إلى العمل استغرق أكثر من ساعة، لأن العديد من الناس كانوا يقفون لتهنئته والاحتفال معه.

وكتب مواطن تنزاني اسمه ليونارد، يشعر بإعجاب شديد ليقول: إن هذه الانتخابات شجعت على الديمقراطية بطريقة أكثر تأثيرا مما قد تقوله أو تفعله الولايات المتحدة، وختم رسالته، قائلا: «تحيا أميركا».

وهنا في الولايات المتحدة، أعلن صبي في الثامنة من عمره صباح يوم الأربعاء عن هدفه في الحياة العملية: أن يكون أول رئيس أميركي من أصول لاتينية.

ويوحي تدفق هذا الكم من الرسائل بأن الولايات المتحدة ستجني الأرباح الناتجة عن فوز أوباما من حسن النية حول العالم في الشهور المقبلة، وهي فرصة من أجل إحراز التقدم في مواجهة التهديدات المشتركة. يذكر أن اسم «باراك» يعني المباركة في اللغة السواحلية، وهذه الانتخابات فرصة عظيمة أمام أميركا لإعادة الالتحام مع العالم بعد ثمانية أعوام من المنفى الاختياري.

ربما يكون انتخاب أوباما علامة سياسية فارقة، حيث تنتهي فترة نجح فيها الجمهوريون في الفوز بأصوات الناخبين من طبقة العمال الفقراء من أجل تخفيض الضرائب على المليارديرات. وكان هذا هو النجاح الكبير الذي حققه الحزب الجمهوري على مدار الأربعين عاما الماضية. لقد أزال أوباما هذا الانقسام حول القيم، ولذلك نشهد حالياً انتخاب أول رئيس ديمقراطي للولايات المتحدة منذ أيام جون كيندي ولا يكون من الجنوب. إلا أنه ربما يعجز أوباما عن الاحتفاظ بتماسك أغلبية ديمقراطية على مدار الأعوام المقبلة.سيكون أحد التحديات أمام أوباما هو استخدام المثالية الرائعة التي بثها في حملته الانتخابية لتكون قضية وطنية كبرى. وقد بذلت ابنتي التي تبلغ من العمر 11 عاما جهدا كبيرا مع صديقاتها في الخريف الحالي لبيع عصير الليمون والكعك المحلى من أجل حملة أوباما، وكل ذلك بمبادرة منهن. وفي يوم الانتخابات، ظلت ابنتي تبيع أزرار عليها صورة أوباما في الشارع، وفي ليلة الانتخابات، خالفت موعد نومها المحدد للاحتفال بهذا الحدث التاريخي. والآن، أصبحت على استعداد لأن تترك المدرسة لتعمل بمجال التنظيم الاجتماعي.

ومهما كانت الخطوة التالية، يستحق الأمر تذوق هذه اللحظة التاريخية. أولا، فلننظر إلى الوراء لرؤية أمر مرعب نسيناه منذ عهد بعيد. في عام 1958، قبلت فتاة صغيرة بيضاء البشرة في كارولاينا الشمالية ببراءة صديقا لها أسمر البشرة عمره 9 أعوام، يدعى هانوفر، على خده. فألقت الشرطة القبض على الصبي، مع رفيقته ذات الأعوام السبعة، وأصدرت المحكمة حكما ضده بالحبس لمدة 12 عاما بتهمة محاولة الاغتصاب. (وبعد ذيوع الخبر، أفرج عن الصبي في النهاية).

وبالنظر إلى الماضي، ربما يكون أفضل تعليق ثاقب على انتخاب أوباما قد صدر بالفعل منذ أمد طويل. فقد ألقى مارتن لوثر كينغ خطابا أمام المجلس التشريعي في هاواي في عام 1959، قبل ميلاد أوباما في هونولولو بعامين، وأعلن أن حركة الحقوق المدنية لا تهدف فقط إلى تحرير السود، ولكن «لتحرير روح أميركا».

لقد ختم كينغ خطابه في هاواي بصلاة نقلها عن واعظ كان واقعا في أسر العبودية في الماضي، وفيها وصف ملائم لفكرة أميركا اليوم: «يا رب، لسنا على الوضع الذي نأمله، ولسنا على الوضع الذي يجب علينا أن نصل إليه، ولسنا على الوضع الذي سنكون عليه، ولكن الحمد لله، لسنا على الوضع الذي كنا عليه».

* خدمة «نيويورك تايمز»