الحل في طهران!

TT

بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة حدد باراك اوباما نقطتين محوريتين لمستقبل سياسة بلاده تجاه إيران، هما برنامجها النووي ودعم الإرهاب، وأغفل حساسية دول الجوار حيال التدخلات السافرة في شؤونها. ربما لأنه لم يكن مناسباً الخوض في تفصيلات الملف الإيراني، كونه جزءا من مهمة شاقة. وحيثما كانت النيات والتوجهات، فالترابط بين النووي والإرهاب ومحاولات الهيمنة، غير قابل للفصل، سواء كان وفق المنظور الاميركي أو هواجس الجوار الإقليمي الإيراني.

مع أهمية التوجهات الأميركية فالمشكلة تقع في مكان آخر يعج بفلسفة عميقة للتوجهات الإيرانية. ففي مجال البرنامج النووي، جاء الرد سريعاً على لسان رئيس البرلمان بالإصرار على مواصلة تخصيب اليورانيوم. وكل من يعرف خلفية القيادة الايرانية، يدرك أن فهمها مبني على حتمية بلوغ الهدف، عندما تجد نفسها (قوية).

ومع الإصرار الايراني تبدو بعض التقديرات مفرطة في تخمين الفاصلة الزمنية (الطويلة) لإنتاج سلاح نووي. وكأن السلاح النووي صنع قبل عام وليس قبل أكثر من ستين عاماً، وكأن العلوم النووية لا تزال حكرا على طرف دون آخر!. وينسى مدعو المعرفة، ومعظمهم من العرب، امتلاك باكستان القنبلة الذرية، قبل ربع قرن، ويتجاهلون ما نشر عن علاقات مصممي القنبلة الباكستانية بإيران. فهل كانت باكستان أكثر مالاً وتقدماً علمياً من إيران ؟. ولم يفرط نظام الخميني بعلماء وخبراء وتوجهات الشاه النووية، التي بدأها مع أول تفجير نووي هندي قبل أكثر من ثلاثة عقود. إذاً لماذا التغطية الخاطئة أو التسفيه المضر، لمراحل التطور الايراني السريع ؟ ولمصحلة من؟ ربما فقط لادعاء المعرفة.

أما دعم الإرهاب، فلا يمكن الفصل بين النطاقين الدولي والإقليمي، لأن الإرهاب الإقليمي يرفض التقيد بدائرة محددة. ويمكن أن تقطع إيران علاقاتها مع هذه القوى في ثلاث حالات: أولاها تغير النظام بطريقة من الطرق، وثانيتها بلوغها أهدافها النووية والتوسعية، وثالثتها الردع الاستراتيجي، ومثل هذا الردع يأخذ أبعادا مختلفة ترتفع وتيرتها طبقاً للموقف الإيراني.

أما الصراع الإيراني مع إسرائيل فليس إلا برقعاً مهلهلاً.

من حقائق التاريخ، أن مشكلة العراق الكبرى لم تكن نتيجة النهج القيادي الخاطئ فحسب، بل ان التجاوزات والمؤامرات الإيرانية كانت أحد أكبر أسبابها. ولسوء حظ العراقيين لم تحسن قيادته التصرف، خصوصا في حماقة احتلال الكويت، وإلا فإن حرب السنوات الثماني، بكل مآسيها والملاحظات عليها، أنهت الى أفق مفتوح احتمالات التفوق الايراني.

الدعم الإيراني للإرهاب تحصيل حاصل لمشاريع الهيمنة على المنطقة، التي تشكل لب المشكلة، فلولا هذا الهدف الخطير لما وجدت أسباب لدعم الإرهاب، ولما كانت هناك حاجة لسلاح نووي.

وطبقاً لهذا التقديم الموجز، فإن حل الخطير من معضلات المنطقة والعالم لا يأتي إلا في تحقيق تغيير شامل في إيران. ومن الضروري أن تشعر (إيران) بوضوح، بأنها ليست دولة متماسكة، لأن القوة والبطش والإرهاب الفكري والمادي، لا تطفئ النار تحت الرماد، والإسلام السياسي على الطريقة الرسمية الإيرانية لا يمكن أن يكون رابطاً بين شعوب متناقضة، بل النظام الديموقراطي، المحرومة منه المكونات الإيرانية، هو الكفيل بضمان الحقوق. وإلا فإن حق تقرير المصير يصبح خياراً مرجحاً.

أمام الأميركيين خيارات كثيرة لمعالجة الموقف مع إيران، في حال رفضها الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي، منها قهقرة النفوذ الايراني في العراق وجعله ينكفئ داخل حدوده، وفرض عقوبات صارمة ودقيقة على المؤسسات الحكومية، لا بد أن تنهض دول الخليج بمسؤوليتها في جزء منها بمنع استفادة الحكومة الايرانية من التجارة معها، إلى أن تخضع لمطالب المجتمع الدولي، وليس أن تتاح لها فرصة الحصول على المال لبلوغ أهدافها.

في الفترة التي سبقت حرب الخليج الثانية 1991 حشدت إيران نحو خمس عشرة فرقة من قواتها، أي أكثر من 100 ألف مقاتل، على مقربة من الحدود العراقية، معظمها مقابل حقول نفط جنوبية، وبعد الضربة التي تعرض لها الجيش العراقي، وجه الرئيس الأميركي جورج بوش الأب رسالة تحذير مختصرة مفادها : إذا قامت إيران باقتطاع أي جزء من الاراضي العراقية فسيكون ذلك أسوأ عمل تقوم به. ففهمت إيران الرسالة وبدأت بسحب قواتها من الحدود قبل أن يتوقف رنين الخبر.

وتدخل مساعدة قوى التحرر الديموقراطي في إيران، والتعاطي معها جدياً، في قائمة الخيارات المضافة المؤثرة، وفق المعطيات والتصرفات الراهنة، وليس وفق سجلات وإدعاءات إيرانية.

وإن لم تخضع إيران لمتطلبات العالم، وكلها ضرورية ومشروعة، فستقيم الحجة على نفسها، وتفتح الباب بنفسها أمام خيارات حاسمة لا تقوى عليها.