مستشارو السياسة الخارجية لأوباما

TT

عادة ما تكون الحملات الرئاسية مثبطة لمفكري السياسة الخارجية، فلا يلجأ مرشحو الرئاسة إلى أمهات لاعبي الهوكي أو إلى حزم جو الست فقط، لكن الحاذقين منهم الذين يفضلهم أساتذة الجامعات غالبًا ما يدفعون ثمنًا غاليًا يوم الانتخاب.

فالمفكر آدلي ستيفنسون، على سبيل المثال، هُزم من الجنرال دوايت أيزنهاور مرتين وعندما حاول أحد مناصري ستيفنسون القول بأن حاكم إلينوي متأكد من أنه «سيحصل على صوت كل رجل عاقل في الولايات المتحدة»، رد ستيفنسون بالقول «شكرًا لك، لكنني بحاجة إلى أغلبية لكي أفوز».

ولم تنته صفات معاداة المفكرين بين الناخبين الأميركيين منذ ذلك الحين، فتأمل كيف حولت مناظرة آل جور، التي أدارها بصورة علمية، الناخبين في عام 2000. وكيف ساعدت طلاقة جون كيري في اللغة الفرنسية جورج بوش عام 2004 في حملة إعادة انتخابه. لكن ما أن ينتهي السباق، تترك الحملات المجال لشيء مختلف تمامًا. فما أن تبدأ الفترة الانتقالية، حتى يتحول الرئيس المنتخب إلى طلب المشورة من الأكاديميين بشأن السياسة الخارجية. فجون كنيدي وليندون جونسون طلبا من ماك جورج بوندي الأستاذ بجامعة هارفارد ووالت روستو من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا المشورة لخبرتهم وبعد نظرهم في العلاقات الدولية، وقد أحضر نيكسون هنري كيسنجر من جامعة هارفارد وأولاه مسؤوليات غير مسبوقة كمستشار للأمن القومي. وعين جيمي كارتر زيبجنيو بريجينسكي من جامعة كولومبيا كمستشار للأمن القومي، واستخدم جورج بوش كوندوليزا رايس من جامعة ستانفورد، وبول وولفويتز من جامعة جون هوبكينز وقد كان للاثنين بصمات في الشؤون العالمية.

وتعيين هؤلاء الأكاديميين البارزين من كبار الجامعات على مستوى البلاد تقليد أميركي مميز، فما من دولة أخرى في العالم، يقوم فيها الرئيس المنتخب بالاستعانة بعلماء السياسة بصورة جدية أكثر من الولايات المتحدة، فرؤساء الوزراء البريطانيون لا يلجأون إلى جامعات أوكسفورد أو كامبريدج من أجل الحصول على المشورة الدبلوماسية. ولكن يقول الفرنسيون إن الجامعات الكبرى تخرج بيروقراطيين وليس استراتيجيين كبارا.

لذا فأي الأكاديميين سيضطرون إلى الانتظار إلى جوار هواتفهم المحمولة خلال الأسابيع المقبلة؟ سامنثا باور من جامعة هارفارد، على الرغم من استقالتها من حملة أوباما في مارس 2008 لوصفها هيلاري رودنهام كلينتون بأنها «وحش» تبدو رهانًا لا بأس به لمنصب رفيع، فقد صنعت اسمها لدى فوزها بجائزة بوليتزر للأدب بكتابها «مشكلة من الجحيم» التي تعد اتهامًا قويًا بعدم قدرة الغرب على منع الإبادة الجماعية خلال القرن العشرين، وعندما وصفت نفسها بأنها «صقر الإنسانية» فإنها تعتقد أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية يجب أن تقودها الدوافع الأخلاقية وأن ترد بقوة على مجازر التطهير العرقي التي تجري في دارفور.

هناك على القائمة أيضًا البروفيسور جي جون آيكنبري من جامعة برينستون حيث يصف فكرته الكبرى «بناء النظام الليبرالي»، ويعتقد أن أميركا يجب أن تستعيد موقعها من «السيطرة الليبرالية» عبر الخضوع إلى «نظام دولي قائم على الحكم الحر»، وفي رسالته المختصرة يشير ايكنبري إلى ضرورة عودة واشنطن إلى الدبلوماسية بعيدة المدى من التحالف وبناء المؤسسات الذي مارسه من قبل فرانكلين روزفلت وهاري ترومان.

ولا يزال هناك الكثير من الأكاديميين الذين قدموا النصح لأوباما والذين يمكن أن يشكلوا علامة فارقة في إدارته، من بينهم ساره سيويل وهي متخصصة في مجال حقوق الإنسان من جامعة هارفارد والتي تعاونت مع الجنرال ديفيد بترايوس في إعادة كتابة التوجيه الميداني للجيش وجنود المارينز في مكافحة التمرد. وسوزان إي رايس من معهد بروكينغز التي عملت كمساعدة لوزير الخارجية الأميركية لشؤون أفريقيا، وكذلك أنتوني لاك الأستاذ بجامعة جورج تاون والذي خدم كمستشار الأمن القومي للرئيس بيل كلينتون، ويتمتع أولئك الثلاثة بمصداقية أكاديمية وخبرة أساسية.

الجيد هنا هو أن مفكري أوباما علماء مشهود لهم بالكفاءة، وقد قدموا بعضًا من المراجع والدوريات العلمية الجيدة حول أفضل الطرق لفرض القوة الأميركية.

لكن كيف يمكن لهذا الجيل الجديد من مفكري السياسة الخارجية تجنب الأخطاء التي وقع فيها سابقوهم؟

فبعض القضايا التي قام فيها الأكاديميون موضع التحليل، بتقديم نظرياتهم للاختبار أخفقت، إذ فشلوا في قراءة الأدلة التي تتواءم مع استنتاجاتهم الفكرية المسبقة، فخلال إدارتي كنيدي وجونستون، على سبيل المثال، تبنى روستو الفرضية التي جاءت في كتابه »أطوار النمو الاقتصادي» الذي أوردها في كتابه الذي أصدره عام 1960 ـ وتقوم على فرضية أن كل الدول تقودها المصلحة الآنية الاقتصادية سواء في الحرب أو السلام ـ والذي قال فيها إن البنية التحتية لفيتنام الشمالية معرضة بصورة خطيرة إلى القذائف الأميركية وأن «هو شين مين» لديه بنية صناعية يرغب في حمايتها» وفسر ذلك بقوله «إنه لم يعد محارب عصابات غير آسف على شيء، بل رجل دولة».

لكن تلك النظرية ثبت خطؤها، فقيادة فيتنام الشمالية كانت على استعداد لتحمل الخسائر الثقيلة من أجل تعزيز هدفها وهو إعادة توحيد فيتنام، وفشل روستو في تقييم قوة الأيديولوجية القومية.

وبالمثل قدم وولفويتز نظريته بأن تحرير العراق من صدام حسين سيدفع باتجاه إرساء الشرق الأوسط المشتهر بأنظمته الشمولية. وربما يكون من المبكر جدًا أن نقول بثبوت خطأ النظرية بشكل كامل، لكن السنوات الخمس الأخيرة لم تكن مشجعة على الإطلاق.

وقد كانت أفكار باورز وايكنبري، لحسن الحظ، أقل طموحًا في مداها من روستو وولفويتز، فقد آمن الاثنان بالدبلوماسية المشتركة وبالكفاءة في التحدث مع الأعداء، ووضع حلول واضحة. لكن ما الذي يمكن أن يثير قلقنا؟

أعتقد أن دعوة باور إلى التدخل المسلح في دارفور، جديرة بالثناء، لكن حالة الانتشار التي توجد عليها القوات الأميركية في الوقت الحاضر لا يمكن معها تحمل عبء مواجهات مع الميليشيات السودانية العربية. ولقد تبنت إدارة كلينتون لدى وصولها إلى البيت الأبيض مبدأ أخلاقيا، فقد قامت بتدخل حسن النية، أحدث عواقب كارثية في الصومال أدى إلى تجريد سياسة كلينتون الخارجية من جوهرها المحب للغير، وهو ما دفع بدوره إلى التردد والانحراف عن الخط الذي تبنته.

ودفع إيمان إيكنبري بتدعيم المؤسسات الليبرالية إلى تبني مقترح إضافة ستة أعضاء جدد إلى مجلس الأمن بما يضمن وجود ممثلين أكثر للآراء على مستوى العالم، ولتعزيز عملية اتخاذ القرار اقترح إيكنبري إلغاء حق النقض (الفيتو) لكي تحل محله الأغلبية بثلاثة أرباع الأعضاء.

ويعد تعزيز الديمقراطية في الأمم المتحدة أمرا مرغوبا، لكن نيال فيرجسون من جامعة هارفارد أوضح أن التخلي عن القوة الأميركية في هذه المؤسسة له مخاطره الكبيرة. فقد بنى ترومان هذه المؤسسات بجهود مشتركة، لكنه كان حريصًا على أن يخدم الناتو وخطة مارشال المصلحة الأميركية أولاً وقبل كل شيء، ومن المشكوك فيه أن تكون مقترحات إيكنبري قد اجتازت هذا الاختبار.

وقليل من الرؤساء استخدموا صفوة الأكاديميين أكثر من كنيدي، لكن غريزة السياسة الخارجية لدى الأخير كانت أفضل من المفكرين الذين عينهم في إدارته. فقد جعله حذره في فيتنام على سبيل المثال، أكثر بصيرة من بوندي أو روستو، ما يبرهن على أن السياسيين المثقفين البراجماتيين دائمًا ما يكون لديهم حس أعلى من أصحاب النظريات.

وتشير معارضة أوباما لحرب العراق في عام 2003 إلى أنه يمتلك غريزة دبلوماسية أعلى من أولئك المحيطين به، لذا، بالرغم من الفوائد التي يمكن أن يجنيها أوباما من استشارة علماء الاجتماع، إلا أنه سيؤدي بشكل جيد إذا ما اتبع المجلس الاستشاري الخاص به. فصناعة السياسة الخارجية تتطلب مرونة معرفية قد تغيب على بعض الأكاديميين أصحاب النظريات.

* ديفيد ميلان متخصص في السياسات الأميركية في جامعة إيست أنجلا ومؤلف كتاب «راسبوتين أميركا: والت روستو وحرب فيتنام»