فرحة مانهاتن

TT

الحديث عن حوار الأديان وأهميته وضرورة التواصل بين أعضاء الأديان المختلفة ليس بجديد، ولكن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والتي تحولت إلى مؤتمر عالمي برعاية الأمم المتحدة في نيويورك، تنقل هذه المسألة المهمة إلى واقع مختلف.

اليوم هناك سقف أخلاقي جديد يتم تشييده بـ«إعلان نيويورك» الذي نص صراحة على رفض التمييز على أساس العرق والدين وهي خطوة تاريخية. الآن سيكون الدور الحساس على المنظمات المعنية بالتفاصيل لأجل تحويل بنود الإعلان إلى سياسات وتشريعات قابلة للتطبيق العملي أسوة بما حدث مع شؤون ومسائل التبادل التجاري الحر والذي تحول لاحقا إلى منظمة التجارة الدولية وشروطها ومعاهداتها أو مسائل العمل وحقوق العمال الذي تحول إلى منظمة العمل الدولية واتفاقياتها.

اليوم العالم مطالب بتلقي هذه الأخبار الإيجابية والصور الجميلة الصادرة من نيويورك، والبناء على حسن الظن المتكون من هذه اللحظة الإنسانية اللافتة، وإطلاق كيان دولي يتولى تنظيم بنود البيان لأجل الانتقال بآلية محترمة من صراع الحضارات الموتور إلى حوار الثقافات المنشود.

هناك نقلة نوعية في الخطاب التسامحي حدثت في نيويورك، وهناك إدراك معلن أن التصادم بين الأديان باتت أثمانه باهظة وغير قابلة للاستمرار وعليه لا بد أن يكون التعايش المبني على أسس المشاركة والمساواة وحق الفرص العادلة، فرصة حقيقية حتى يكون بديلا عن الطروحات الإقصائية والديباجات العنيفة.

الأديان السماوية بنصوصها الأصلية الإلهية لا مكان فيها للقتل والعنف، ولكن التفسيرات البشرية من خلال بعض النفوس المضطربة والتي أتت في أجواء غير مستقرة قدمت مقولات محرضة ومدمرة، وهي مسألة عانت منها كل الأديان بلا أي استثناء. اليوم وبعد أن دفعت الأثمان رعبا ودماء، يبدو أنها جولة الحكماء والعقل وساعة ليقظة الضمير الإنساني.

في علوم التاريخ توجد وقفات إنسانية كبيرة يتم فيها التمعن إلى الخير الأعم والنفع الأكبر وتعتبر نقطة انطلاق جديدة، وهي مواقف يطلق عليها: الجنوح إلى السلم، لعل من أشهرها انسحاب بريطانيا من شبه القارة الهندية، ونزع فتيل الاقتتال النووي بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا في كوبا، وسقوط حكم الابرتايد في جنوب أفريقيا وغيرها.

التاريخ الإنساني قد يكون اليوم على موعد كهذا مع إعلان نيويورك الهام، وتبقى أهمية استمرار المطالبة بكيان عالمي مؤسسي ليكون العين والذراع المنفذ لكل التوجهات المنشودة. التاريخ يصنع بقرارات صعبة وغير تقليدية وبالسباحة ضد التيار، وإعلان نيويورك هو نموذج صحيح لرؤية في الأساس إنسانية وأخلاقية طال انتظارها وآن أوانها.