لماذا لا تقدم لهم ابن عم عبلة؟

TT

عندما عقدت قمة «الفرانكوفونية» في بيروت قبل سنوات كلف بالإشراف عليها وزير الثقافة يومها، الدكتور غسان سلامة. وقد اقترحت عليه آنذاك أن يقدم للرؤساء الحاضرين أوبرا «عنترة» التي وضعها اللبناني شكري غانم بالفرنسية قبل حوالي 80 عاماً وقدمتها فرقة «الكوميدي فرانسيز»، واقترحت أيضاً أن يصار إلى طباعة كتاب وبعض من معلقة عنترة بالفرنسية وتقديمها إلى الضيوف. وانطلقت الفكرة من أن أكثرية الرؤساء الفرانكوفونيين يمثلون أفريقية السمراء، وسوف يفرحون بصورة الأسمر، الشاعر، البطل، العاشق، الرفيع الخلق، بعدما سئموا صورة الأفريقي المضطهد والمستعبد والعاجز الذي يهزم أمام كل رجل أبيض ويستسلم لهزيمته. أحب الدكتور سلامة الاقتراح لكن الوقت لم يسمح بتنفيذه. وقبل أن يكلف رسمياً بالمهمة، كنت قد تقدمت بالفكرة، خطياً، إلى الرئيس السابق إميل لحود، وشرحت أن عنترة هو ملتقى العروبة والأفرقة في الأدب. وقد سبق، وفي معلقته بقرون، مسرحية «عطيل» العظيمة لشكسبير، حباً وشغفاً ودرامية. وبفروسيته وشعره حرر عنترة رقَّه، وحزم بياض حبيبته وجمالها، فرقَّت عليه وهامت بلمعان سيفه، ولم يكن شاهده على بطولاته سوى خيول الوغى، فاسأليها يا عبلة، ويا دار عبلة بالجواء تكلمي:

يعيبون لوني بالسواد جهالة

ولولا سواد الليل ما طلع الفجر

البطل لدى الشعراء الآخرين كان القبيلة نفسها. مآثر أهلها، وشجاعتهم، وكرمهم، وعفوهم، وسيوفهم. لكن هذا الفتى هو نفسه البطل. وهو الذي يهزم كبار الأبطال أمامه، من أجل قبيلته وابنة عمه. والأهم أن عنترة يمثل في معلقته ـ وفي سيرته ـ صورة عن مكارم الأخلاق العربية والنخوة والكرم والتسامح والخفر:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي

حتى يواري جارتي مأواهـا

وسواء كان عنترة منحولا أم أصيلا، أسطورة أم واقعة، مثبتا أم محرَّفا، فإن دراميته وشاعريته ورهافته وشفافيته، هي أجمل ما حدث للجاهلية ومعلقات عكاظ. لقد كان، قبل أي شيء، مجدداً في الشعر ولو أنه، مثل غيره جميعاً، اقتدى امرءا القيس، الذي ندر من لم يقلده في الإيقاع والمنهج. وبالغ المبالغون فيما بعد ومنهم الأخطل التغلبي الذي قال، أشعر الناس قبيلة بني قيس، وأشعر الناس بيتا بيت زهير، وأشعر الناس رجلا رجل في قميصي، يضرب هو وقميصه.